بسم الله الرحمن الرحيم.
من آداب الدعاء :
*والعلماء قالوا : من آداب الدعاء ثلاثة آداب :
الأدب الأول : أن يكون خفية :
*أن يكون الدعاء خفيَّاً .. هو دعا بلسانه ، لو لم يدعُ بلسانه لكان مناجاةً ، لكنَّه لم يدعُ في ملأٍ من الناس بل دعا في المحراب ، وقال :
﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثاني : التذلل والافتقار :
*هذا هو الأدب الثاني في الدعاء ، التذلل ، التضعضع ، إظهار المسكنة ، إظهار العَجز ، إظهار الافتقار ، كيف تدعو خالق الأكوان وأنت في حالة كِبْر ؟ لا ، لابدَّ مع الدعاء من التذلل ، لابدَّ من إعلان الضعف ، لابدَّ من إعلان الافتقار ، لابدَّ أن تكون ، وأنت تدعو في حالة افتقارٍ إلى الله عزَّ وجل .. يا ..
﴿ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾
الأدب الثالث : حسنُ الظنِّ بالله عزو جل :
*أجمل ما في هذه الآية قول الله عزَّ وجل على لسان سيدنا زكريَّا :
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
*في كل حياتي ما دعوتك مرَّةً ، وكنت شقياً بهذا الدعاء ، ومعنى شقياً أي محروماً ، العلماء قالوا : " الشقاء هنا الحرمان " ..
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
يا رب ، ما دعوتك في حياتي مرَّةً وخيِّبت ظنَّي ، إلا وأكرمتني ، وأعطيتني ، ورحمتني ، ورزقتني ، ويَسَّرت أمري ، إذاً هذا هو الأدب الثالث في الدعاء .
*الأدب الأول : أن يكون الدعاء خفيَّاً .
*والأدب الثاني : أن يكون مع الدعاء ضراعةٌ ، وتذلُّل ، وافتقارٌ .
*والأدب الثالث : أن تتوسَّل بظنٍّ حسنٍ بالله عزَّ وجل ، أن يكون خفياً ، وأن تكون مفتقرًا ، وأن تكون متوسلاً بظنٍ حسنٍ بالله عزَّ وجل ..
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
*من الصياغة المعجزة أن جاءت كلمة ( رب )معترضةً بين كلمة : ( دعائك )و : (شقيَّاً)، من التحبُّب ، ومن التودد ، ومن التعظيم أن تأتي كلمة ربي مُقْحَمَةً بين كلمتين متلازمتين ، وهذا درسٌ لنا ، الشيء الذي تراه مستحيلاً ، الشيء الذي يقلقك ، الشيء الذي يَقُضُّ مضجعك ، الشيء الذي تخاف منه ، شبح المصيبة التي يبدو أنها قادمة ، إن حدثَ هذا فبادرْ إلى الصلاة ، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حَزَبَهُ أمرٌ بادرَ إلى الصلاة ، صَلِّ صلاة الحاجة ، صَلِّ صلاة الدُعاء ، صَلِّ في جوف الليل ركعتين واسأله كل حاجاتك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :*
(( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ))
(متفق عليه ، واللفظ لمسلم)
﴿ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾
( سورة النمل : " 62 " )
*قال العلماء : " إن المُضَّطر مستثنى من كل شروط الدعاء ، بشرط أن يقول : يا رب مِن كل قلبه " ، دون أن يقولها بلسانه ، وهو يعتمد على زيدٍ أو عبيد ..
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾
*استكمالاً لهذه القصَّة ورد مقطعٌ قصيرٌ في آل عمران حول هذا الدعاء ، بماذا دعا ؟ السيدة مريم بنت عمران قد كفلها زكريا عليه السلام بعد أبويها ، قال تعالى :
﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
*السيدة مريم ..
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾
( سورة آل عمران : " 37 " )
*قال العلماء : " كلَّما دخل عليها وجد صلاحاً ، وطاعةً ، وسمتاً ، وعلماً ، وفهماً ، وحلماً ، وإقبالاً ، وإشراقاً " ، ليس المقصود بالرزق حصراً أنه رأى فاكهة الصيف في الشتاء ، حصراً ، ولكن بعض العلماء يضيف إلى ذلك أنه رأى سمتاً ، ورأى علماً ، ورأى إشراقاً ، ورأى عبادةً ، ورأى محبَّةً عندئذٍ ..
﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
*لمَّا رأى هذه البنت الطاهرة ، التقيَّة النقيَّة ، العالمة الفقيهة ، المقبلة ذات القلب المشرق عندئذٍ :
﴿ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(38)فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾
( سورة آل عمران : " 37 "-38" )
*إذاً متى دعا ؟ دعا حينما رأى الكمال والتقوى والإقبال والقُرب قِيَماً متمثلةً بمريم التي ورد ذكرها في القرآن الكريم*.
تابع...
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية