لميس ضيف


وجدت عمدة مدينة استكهولم السويدية، وهي سياسية مرموقة ورئيسة حزب وعضو برلمان أيضا، نفسها وسط عاصفة انتقادات وغضب شعبي بسبب اتهامها بالفساد الإداري والمالي.. أما الفعل «المشين» الذي سلمها لهذا المصير فهو أنها تجرأت، وتجاسرت وملأت خزان وقود سيارتها بكوبونات حكومية..!!


بالطبع انتفضت الصحافة الحرة لتسأل: إن كان عمدة المدينة تملأ سيارتها «الخاصة» بمال عام.. فما شيمة باقي موظفيها إن كانت هي «بالكوبونات العامة» ضاربةً ومتلاعبة !!


قالت لهم مستعطفةً «قسم!.. يا النشامى اكتشفت أني ناسية محفظتي، أشحت يعني، أمشي للبيت.. يرضيكم ؟»
ولكن حجتها لم تقنعهم بل زادتهم سخطاً مؤكدين بأنه كان لزاماً عليها أن تركن سيارتها وتستخدم «النقل العام» في موقف كهذا عوضاً عن أن تخون الأمانة وتهتك القانون وهي إحدى حماته ..
ولم يتوقف الأمر عند التقريع والفضيحة.. بل أجبرت على الاستقالة من موقعها كعمدة، وأقصيت عن موقعها الحزبي.. ورجمت من قبل برامج النميمة على مدار شهر كما ترجم العقبة الكبرى صبيحة العيد، ما أعدم حياتها السياسية للأبد !!


***


بالطبع صاحبتنا ليست أولى ضحايا سياط ملاحقة الفساد والفسدة، فقبل عام ونصف العام اضطر وزير الصحة الفنلندي أن يقدم استقالته إثر فضيحة مدوية بعد أن أُميط اللثام عن أنه تحدث مع حبيبته 3 مكالمات دولية «مرة وحده» على نفقة الدولة أثناء رحلة عمل..!! بالطبع جزئية أنها حبيبته /‏أو جدته لم تثرهم بل استشاط الرأي العام غضباً لأنه استغل منصبة الوزاري لإجراء مكالمة من جيوب دافعي الضرائب، وانتهى مستقبل هذا «الحرامي الفاسد العيار» بعيد تلك الواقعة وكان سيقدم للقضاء أيضا لولا أنه.. دفع قيمة المكالمات !!


بالطبع لو كنت أعرف رقم محمول العمدة «المخلوعة» أو الوزير «المصلوب» لكنت هاتفتهما ودعوتهما للعمل في أحدى الدول العربية.. حيث يعتبر الهاتف جزءاً من امتيازات المهنة، ولهم أن يستخدموه لمهاتفة زيمبابوي أو ألاسكا إن شاءوا.. وبإمكانهم استخدام بطاقات الوقود لملء سياراتهم، بل وسيارات العائلة والجيران أيضاً.. وليست موارد الإدارة هي كل ما يستطيعون الاستفادة منه بل بإمكانهم استخدام الموظفين أيضاً لقضاء حوائجهم الخاصة: توصيل الأولاد.. شراء السمك والروبيان.. إنهاء رخصة عاملة المنزل.. أخذ سيارة المدام للوكالة، شراء تذاكر الطيران.. إلخ ولن تثار حولهم الزوابع بل ولن يستهجن أحد تصرفاتهم أو يسعى لتحجيمها..!


ولهم أيضاً، في ظل منظومة الفساد القائمة، أن يدخلوا المناقصات بأسماء عائلاتهم وبسعر عالٍ ويظفروا بها.. ولهم أن يبيع لأنفسهم مقتنيات الإدارة من أجهزة ومعدات بسعر رمزي، وأذكر أني تابعت مرة قضية بيع مسؤول خليجي لسيارة لكزس حديثة لابنه بـ 70 ريالاً (ما يعادل 20 دولارا).


ولو وجدت فضيلة العمدة الاسكتلندية أو سعادة الوزير الفنلندي الوضع مؤاتيا وشجعهم المناخ العام على نهل الملايين فعليهم أن لا يخشوا ويلاً ولا ثبورا.. فأقصى ما قد يحصل لهم بعد كشفهم هو مطالبتهم بالاستقاله «بشويش» ولن تحرك ضدهم قضية ولن يُسمح لوسائل الإعلام أن ترفع عقيرتها للتشهير بهم، بل.. ولن يطالبوا بإرجاع ما «لهفوه» من منطلق «عفا الله عن ما سلف» و «المسامح كريم».. فقلعة الفساد لدينا متينة ورابضة على قلوب الشعب بإصرار وعناد.. ولو حركنا «زوبعة» بعيد كل قضية مكالمات أو كوبونات، لطارت البيوت وانقلعت الأشجار


.. واللهم لا اعتراض..!!