https://www.gulfupp.com/do.php?img=92744

قائمة المستخدمين المشار إليهم

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: زهرة مسها الموت !

  1. #1
    vip السبلة الصورة الرمزية عطر الاحساس
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    بـعيدةٌ عنً صَخبٌ آلـجمْيعُ !
    المشاركات
    66,168
    Mentioned
    0 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)

    زهرة مسها الموت !

    عدتُ إلى منزلي هذا اليوم ، وصوت الفقد يُرتَّل في قريتي الصغيرة ..
    تماماً كما شعرتُ به لأول مرة قبل عشرون عاما، على ذات الطريق الذي طوي كل هذا الحُزن في صدري، وبنفس الخطوات الباردة التي مازال هذا الشارع يذكرها..إلا أنني أكبر ووجع اليُتم أكبر، كانت السادسة صباحاً بعد أن قامت والدتي بشطف بهو البيت من هلع الواحدة والنصف فجراً حين اهتزت جُدران بيتنا خوفاً على والدي الذي غادر المنزل منتشلاً من الأرض بأيدي رجال غرباء ..لم ننم حينها إلا أننا حاولنا أن نجعل الخوف يغفو ، لنستطيع استعادة توازننا، وكل ما نملكه هو رجاءنا بالله..
    خرجتُ ووالدتي وإحدى أخوتي على غير عادتنا لنسأل: من مات!!
    كانت قلوبنا تُجيب عن هذا السؤال وينفيه الخوف،وصلنا إلى الساحة الكبرى التي يجتمع فيها أهل القرية حين يموت أحدهم..
    البيوت واجمة، النوافذ مصفرة من الموت، حتى الصباح كان كئيبا جداً،ثمة أناس تجاهلونا خوفاً من أن نعثر على الإجابة في عيونهم الممتلئة بالشفقة ..
    النبوءات لا تتأخر ،
    حينما يكون الخبر مُفجعاً حدّ الموت!!
    نبأني أبي حينما سألني قبل موته مازحاً، كان حينها قد توفي جارٌ لنا وحزن أبي عليه وحزننا جميعاً..
    الموتُ في القرى طبقٌ مشترك ،
    حين يأتي لا يترك بيتاً إلا ويطرقه باباً بابا.!
    سألني مُبتسماً كنت حينها ابنة 8 سنوات دلالاً وعزوة : هل ستبكي يا صغيرتي حين أموت ؟!
    كان سؤالاً غريباً أو ربما مُهيبا يُوجه إلى طفلة في مثل هذا العمر ,,
    الموت لا يعرفه الأطفال ، لكنهم يستطيعوا أن يستشعروا حدوثه لشفافيتهم..!
    ضحكت حينها ببراءة وأجبت: طبعاً سأبكي !
    هل أراد أبي أن يُعرفني بالموت؟!
    في تلك الليلة أختي الصغرى التي لم يتجاوز عمرها الأثني عشر شهراً لم تكف عن البكاء ..فهي أول من نبأه الموت!
    الموتُ اللغة التي ليس لها ترجمة في كل قواميس الحياة ، هو الحد الفاصل بينك وبين الحياة...إلى حيث حياة أخرى !
    ،
    عيناها أعادت لي سيناريو لطالما تكرر في كل موت تُؤذن فيه تك المئذنة بالموت ،وأكون حينها على مقربة منها ومن مغتسل الموتى !!
    خرجتُ من المنزل صباحاً لأذهب لعملي كان صوت سيارة الإسعاف يصدح في نهاية الشارع..*
    رأيتها واقفة مقابل منزلنا بجسمها النحيل وقامتها القصيرة، ذات وجه طفولي وعينان واسعتان وأنف طويل ودقيق ، زهرةٌ أسمُها وهي امرأة الثلاثين عاماَ ونيف والتي تبدو في نصف عمرها أو أقل من ذلك بكثير،وبعقل لايتجاوز 7 سنوات إدراكاً وفهما, قابلت عيني بعينيها المشدوهتان حتى أقصاهما في انتظار أن يسألها أحد ما ..أن يربت على أكتافها..أن يتجاهل كون عقلها وجسدها غير مكتمل نضجه أو أنها مجنونه..
    سألتها بهدوء: هل أمكِ مريضه؟!
    قالت بصوت يرتجف:ايه*
    دعوت لها وانصرفت وقلبي يُرتل الدعاء وذهني ممتلئ بتلك الحيرة التي كانت تملأ خطواتها ونظراتها..
    كانت إجابتها مملوءة بالوعي والإدراك، لم أشعر حينها أنها مجنونة ،
    هذه التي أعتدتُ أن أراها تنظر إليّ نظرات هجوميه ، تبصق على المارة لأتفه الأسباب، تصرخ حيناً وتبكي حين آخر ...
    يا لهذا الموت الذي بيده أن يفقدنا عقولنا ، أو يستردها كيّ نتعرف عليه ، لنُدرك كم هو زائر لا يشبهه أحد..!
    الموت هو الغريم الذي لا يمكننا مجابهته !
    كانت تدور حول نفسها كمروحة، عنقها موقوف !
    ما أصعب أن يجتمع الفقر، واليُتم والجنون,,
    أن تكون يتيماً تهتدي بعقلك ، أهون بكثير من أن تكون مجنونا ًيتيماً فيجني عليك يُتمك .!
    حتماً هي تُدرك أن ليس هناك من سيحتملها غير أمها التي فارقت الحياة وهي تُصلي فجراً هذا الصباح وفي سجدتها الأخيرة ...
    سمعوها الجيران وهي تصرخ بأعلى صوتها: أمي أمي..!!
    فتحت باب المنزل.. لتنادي المارة أن ثمة خطب ما بوالدتها
    الفزع يهز بنيتها النحيلة..
    بكت بحُرقة أشبه بالأنين ،وهي تقول لامرأة كبيرة بعمر أمها، بصوت مبحوح كناي جرحته الريح ولفحته سمومها .. أنا تعباااانه ..تعبااانه جداً يا أم محمد ، أريد أن أموت!
    لخصت كل معاناتها ووجعها في جُملة قصير تتمثل بالتعب والرغبة بالموت ،،
    المشاعر التي تقتلنا هي التي تختصر حالها حين نتعثر نُطقاً بها!.
    بدت منهارة جداً حتى أنها صارت تقفز بوحشتها وخوفها من حضن إلى آخر بين النسوة المعزين ،كأرنب خائف من هجوم مفترس وهو الفقد ، تجلس في حضن هذه تارة و تضم تلك تارة أخرى، وأحيانا تدور في بهو منزلهم ذهاباً وإياباً
    أيّ دوار هذا الذي يصنعه الموت بنا ..!!
    تسألهم فتتدارك نفسها بالاجابة..
    ستعود أمي؟!
    نعم ستعود إلينا.
    فتمتلئ وجوه النسوة بالحيرة والأسى…
    ،*
    كل ما أدركته بعد مرور الأيام أن أمها ذهبت ..كما ذهب والدها من قبل.. وكما انتزعوا من بين حديقة قلبها أختها مَدِينة التي كانت تُشاركها الفرح والحُب والجنون ايضاً…!!
    الفقد لا يطيقه العقلاء ، فكيف بمن عقولهم أضعف من أن تُدرك ذلك..!
    كثيراً ما ألتقي بها عند خروجي من المنزل أو حين عودتي..
    يااااالله زهرة الآن فقط كبرت…كبرت كثيراً
    مازالت بتلك النظرة الشزرة التي اعتادت أن توزعها للمارة
    إلا أنها باتت اكثر هدوءً وانكسارا..خطواتها اكثر تعقلاً..
    باتت تعُدَّ الخطوات..وتُمتر كل خطوة بمقدار شبر من الوجع..
    صار لها صديقات يشبهونها ..تخرج معهم كل نهار لتحضر مجالس نسوة القرية ..وتعود معهم.
    في أقسى حالات الوحدة والوجع غالباً مانلوذ إلى آشباهنا .. كي لايتباهوا علينا بالفرح ..!
    زهرة ..مازلت تقطف من الوجوه أثراً لأمها..
    ومن كفوف المارة رائحة لوالدها..
    ومن عينيها تمردا بريئا كأختها (مدينة) التي ليست أكثر إدراكاً منها…
    مَدينة المقدسة التي دنسها بجريرته أحد الشهوانين الذين تقطن عقولهم بين فخذيهم.. فبذر خطيئته في بطنها ليرحل مقيدا في سجلات الحياة السوداء.. مجنونة مغتصبة ورجل مجهول…!!
    فأصبحت مُدانة بعد أن كانت مدينة…
    ليآخذوها بعيدا بعد أن أتضح حملها في مصحة نظيفة يعتنوا بها وبطفلتها التي لاتدرك من الحياة سوى أم تلاطمت بها الأمواج ورست بها حيث تكون…
    /
    فإلى أين سترسوا بك المراكب يازهرة..؟!
    ،
    الحياة ليست لهؤلاء الثُلة من البشر ، هي لؤلئك اللذين يتبجحون بأموالٍ سرقوها، وأوطانٍ حملتهم فوق نعش الثراء ، وعقول لم يجنوا منها إلا ما هو يفتك بالفقير واليتيم والمجنون ...








    •   Alt 

       

  2. #2

    المدير العام للشؤون الثقافية والأدبية ورئيس رواق الشعر والخواطر والقصص والشيلات


    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    الدولة
    فهالدنيا
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    62,109
    Mentioned
    54 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    هلا فيك عطر ..
    قصه جدا رائعه ومفيده وفيها عبره
    الف شكر لجهدك واختيارك وتفاعلك الجميل .. كل الود لك مني
    ( نص يستحق النجوم الخمس)
    نحن ..
    لانرتب أماكن الاشخاص في قلوبنا ..
    أفعالهم ..
    هي من تتولى ذلك
    ..!


  3. #3
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    طرح جميل
    ألف شكر وتقدير لك ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  4. #4
    متذوقة شعر وقصص وروايات في السبلة العُمانية الصورة الرمزية نوارة الكون
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    40,290
    Mentioned
    50 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    ربي يعطيج العافيه غاليتي متميزه بالانتقاء دائما

    - اللهم اغفر لى و لوالدى,
    و لأصحاب الحقوق على,
    و لمن لهم فضل على ,
    و للمؤمنين و للمؤمنات والمسلمين و المسلمات
    عدد خلقك و رضا نفسك و زنة عرشك و مداد كلماتك.


  5. #5
    عضو ماسي الصورة الرمزية حلم يرتجي التحقق
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    الدولة
    في عرش احلامي
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    2,813
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    قصه جميلة ورائعه
    راقت لي بشده

    كنت هنا حلم يرتجي التحقق
    خلك نجم بعيد عن القاع
    لا بغتك الناس ترفع نظرها
    سوف تبقين صديقتي للأبد يا اسم على مسمى
    ♥♥ زهرهـ ♥♥

    اللهم صل وسلم على سيدنا محمد

  6. #6
    vip السبلة الصورة الرمزية الشيخه الفلانيه
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    الدولة
    ٰ بَـ / رحابة صّدر أبُوي ❤.
    المشاركات
    72,159
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    ،



    قصههء جميله ;
    كُل آلششكرْ عَ آلأنتِقآء
    يعطيكِ آلله آلععآفيهً !
    -



    ( وٰ إني قويه بـَ ؛ رب السمآء ).


  7. #7
    عميد متذوقي القصص والروايات بالسبله العمانيه
    الصورة الرمزية نديم الماضي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    الدولة
    ♠ قلب أمـــ ♥ـــي ♠
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    10,840
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    طرح رائع
    يعطيك العافيه..

    صديقك من يصارحك بأخطائك لا من يجملها ليكسب رضاءك
    الصداقة بئر يزداد عمقا كلما أخذت منه
    لا تفكر في المفقود حتى لا تفقد الموجود
    البستان الجميل لا يخلو من الأفاعي
    الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م