الفصل (١٢)
كيف أشكرك يا الله ؟!
"أردت أن أكتب إليك قبل كل شيء.. لأقول لك...لا أدري حقاً كيف أشكرك.. ما أعظم هذه النعمة التي أوقفتني عن الركض الأعمى.. لأجل هدف بات مع الأيام مسخاً لا معالم له..
أنك أخذتني من وسط كل الضوضاء.. والركض.. الأنفاس المتسارعة...لأقف في سكون بين يديك.. وأنعم بقربك.. وتغمرني برحمتك.. واستعيد لذة مجالستك..
وحشتني يارب... حقاً "وحشتني".. كم من زمن مر دون علاقة حقيقية وإن كنت أصلي لك خمس مرات..
كم من زمن مر.. والصور والناس والأحداث...توقف كل محاولة مني للقرب منك ...فلا أجد نفسي إلا أغوص أكثر وأكثر في وحل الغفلة.. فقد كل شيء طعمه بدونك... وصارت كل الألوان باهتة...فيالفرحتي بهذا المرض الذي أعطاني الفرصة...لأقف.. وأترك كل شيء خلفي... وأجلس إليك...كما كنت قبل سنين.. .حقاً اشتقت إليك...
لا أجرؤ "إلا في بعض الأحيان التي أنت بها أعلم".. أن أتشرط عليك.. وأقول لك اجعل الورم يختفي.. أو اجعله يستجيب للعلاج.. أو افعل بي كذا أو كذا.. ربما لأنني حقاً مستمتعة بكوني معك...حتى أن أي شيء آخر لم يعد يفرق...الموت والحياة.. ماداما في قربك.. أليسا سواء؟
يحدثني الناس.. وكأنما يريدونني أن أملي عليك شروطي... ثم أتوقع منك الاستجابة... فإن لم أفعل فأنا من أهل التشاؤم...ولا أتمتع بقوة "التفاؤل".. لكني حقاً لا أجرؤ...أبعد سنين من البعد...وفي اليوم الذي يتاح لي أن أكون أقرب إليك من أي وقت مضى...آتيك بقائمة الطلبات.. وكلها تدور حول إزالة السبب الذي قربني منك..
رفعت يدي كما أخبروني لأسألك الشفاء.. فكان أكثر ما استعذبت من دعاء قول أيوب عليه السلام.. رب.. إني مسني الضر.. وأنت أرحم الراحمين..
فما أرقه من سؤال..
مسني الضر.. لم يقل.. أهلكني الضر.. كسر ظهري الألم.. لم أعد أحتمل.. قالها مهوناً من شأن البلاء.. وهو يعلم أنك أعلم به من نفسه وأنك وحدك تعلم كم يعاني..
رب.. إني مسني الضر.. ثم ماذا.. أين قائمة الطلبات بإزالة المرض ثم رد الأهل ثم عمل كذا وعمل كذا..
لم يفصِّل أيوب.. لعله استحى أن يفصل.. وهو يعلم أن ربه يعلم كل شيء.. ويعلم أفضل سبيل وأفضل مخرج لما هو فيه.. كان كل ما قاله هو.. وأنت أرحم الراحمين..
هذه حالي من الضر.. وهذه حالك من الرحمة.. ولن أزيد..
فأنت تعرف كل شيء.. تشعر بألمي.. ترى حالي.. تعلم ما أحتاج وما يصلح لي "في الدنيا والآخرة" أكثر من نفسي..
فلماذا أقول أكثر..
الحمدلله.. الحمدلله..الحمدلله.. هذا فقط هو ما ينبغي علي ترديده...لأني مهما شكرتك.. لن أوفي أبداً شكر نعمة مجالستك.. بعد بُعْدٍ طويل.."
#طابت ايامكم بذكر الله