الفصل (١٨)ربنا لا يعجزه شيء.. لا يعجزه القضاء على حفنة من الخلايا الضعيفة التي لو رأيتها في المختبر ل"فعصتها" بيد واحدة.؟. لا يعجزه أن يقول لها زولي فتزول كما قال لها كوني فكانت..
رسائل ربانية
لكن السؤال هنا ليس سؤال قدرة بل سؤال حكمة.. هل القضاء عليها هو الخير في الدنيا والآخرة.. ماذا أفعل ببقية العمر إن عُمرت.. ام أني أريد المزيد من الأيام والأسابيع في الحياة فحسب.. " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" أي حياة.. حياة خواء لا معنى فيها ولا انجاز ولا عطاء ولا نمو..
فإن كنت أريد أن أسأله الشفاء وطول العمر.. فعلي قبلها أن أسأله أن يجعلني في كل يوم يمد فيه من عمري أحب إليه وأقرب منه وأنفع لعباده.. وإلا فالرحيل هو الخير الأكبر..
****
لعل رسالة الرب الرحيم من كل هذا.. أمتي.. أنت في الطريق الخطأ.. فأعطيتك هذه الوقفة.. فإما أن تصححي المسار وتسيري في الطريق الذي خلقتك له. فأزيل عنك الباس وأمد في عمرك لتستمري في القرب والترقي حتى تلقيني.. وان لم تستطيعي.. وكانت الغشاوة على عينيك كبيرة فلم تري الطريق.. فتعالي إلي ..ويكفيك تيها.. فقد طهرك المرض من ذنوبك ورحمتي تسعك.. ولا تستمري في حياة التيه التي لا تليق بك..
****
لا أملك إلا أن أشعر أن الدعاء بالشفاء وطول العمر.. والالحاح والبكاء من أجلهما من ضيق الأفق.. فالمرض جاء لحكمة.. أبدلا من ان أنشغل بالحكمة.. أنشغل بالسؤال ان يرفع الله عني المرض.. كالطفل الذي تحرمه أمه الحلوى لتعلمه شيئا.. فيبقى لساعات يبكي ويلح .."أريد الحلوى.. أريدها"... ولا يفكر لدقيقة لماذا حرمته.. وماذا تريد منه.. ولو فعل لأعطته كل حلويات الدنيا ولم تبخل عليه بشيء..
*****
أمي من أكثر النساء الذين عرفتهن قوة.. هي بصدق امرأة حديدية ،ملئت إيمانا... كنت أخشى عليها من تلقي الخبر.. فإذا بها تفاجئني على الهاتف بردها.. "الله لطيف بعباده".. واللطيف إذا قدر لطف..
قصصت عليها يوما بعد ما جاءتني لأمريكا ما قرأته ان النساء المصابات بالسرطان يرين أصعب ما في التجربة كلها.. أصعب من التشخيص والجراحة والاشعاع.. يرين الأصعب فقدانهن لشعرهن لكونه رمز الأنوثة فيهن..
أخبرتها بذلك فقالت.. نعم ولكنها فترة مؤقتة وكل شيء بعدها يعود خيرا مما كان.. شعرت أنها لم تفهم خوفي.. وأنا مقبلة على العلاج الكيماوي بعد أيام وبعد أسبوع على الأغلب سأكون أنثى من غير شعر..
قالت بعملية.. هناك حلول.. دعينا نبحث عن الحلول.. شعر مستعار.. قبعات.. مناديل للرأس.. رموش صناعية.. رسم للحواجب.. لكل مشكلة حل.. أخذنا نبحث معا على الانترنت ونتضاحك على بعض الحلول غير المنطقية.. ثم تركتها لدقائق وعدت..
وجدتها تمسح بسرعة دموعا ملأت وجهها.. كانت تتجلد من أجلي.. كانت تهون علي الأمر حتى لا تزيد ألمي..
وأنا التي ظننت أنها لقوتها لا تشعر بي ..
***
رفساتك يا صغيرة هي جرعات أمل ورسائل بهجة ترسلينها لي من داخل أخشائي في وقت أنا أحوج ما أكون فيه لرسائل البهجة والأمل..
***
من العجائب اني في هذه الفترة ومع كل دواعي القلق حتى أني لا أعلم إلى أين انتشر الورم وفي أي مرحلة هو لعدم التمكن من اجراء الأشعات أنني أكثر اطمئنانا وأقل قلقا مما كنت قبل السرطان..
فسبحان من منّ علي بالثقة فيه وفي كل ما يصنع ويدبر حتى صرت أرى كل دواعي القلق وتخويف الأطباء.. ومشاكل الدنيا.. حقيرة صغيرة.. وأرى كل الناس مهما عظمت مكانتهم وقدرتهم "الظاهرة" في التأثير على مستقبلي وحياتي .. مجرد "عبيد".. مجرد أقزام صغار لا يتحركون ولا يفعلون إلا بإذن سيدهم .. رب العزة والجلال...
فعلام القلق.. والأمر كله له وإليه.. وعلام التعلق بالناس.. أعطوا أم منعوا.. مادام هو وحده مالك خزائن كل شيء.. الصحة.. الرزق.. العلم.. السعادة.. كلها خزائنه وكلها ملكه وحده..
***
قبل أشهر كنت في اجازة لمدة أسبوع لزيارة عالم ديزني.. كنت عندها أحمل الجنين.. وأحمل السرطان.. ولا أعلم بكليهما.. لم أحمل هم شيء وكان كل ما أفكر فيه هو إلى أي الحدائق سنذهب اليوم وماذا سنلعب بعد هذه اللعبة..
كم هو محدود علم الانسان!!
***
ما الذي يدعو سيدة لا أعرفها ولا تعرفني أن تأتي بيتي طارقة الباب ومعها زجاجة ماء وتقول :" يا ابنتي هذا زمزم مقروء عليه خذيه واشربيه والله يشفيك باذن الله".. ما الذي يدعوها لذلك وزمزم في أمريكا عملة نادرة .. فكيف لم تؤثر به نفسها أو أحدا من أقربائها وأحبائها.. سبحان من أنزل الرحمة والمودة في قلوب العباد
#طابت أيامكم بكل خير