مصابيح رمضان:
أمر المأمون أحمد بن يوسف أن يكتب في الآفاق بتعليق المصابيح في المساجد في شهر رمضان. قال: فأخذت القرطاس لأكتب، فاستعجم علي، ففكرت طويلاً، ثم غشيتني نعسة، فقيل لي: اكتب: فإن في كثرة المصابيح إضاءة للمتهجدين، وأنسًا للسابلة، ونفيًا لمكامن الريب، وتنزيها لبيوت الله عن وحشة الظلم. [نثر الدر]
إيثار في رمضان:
كان الواقدي شيخًا سمحًا، وأظله شهر رمضان، ولم تكن عنده نفقة، فاستشار امرأته بمن ينزل خلته من إخوانه؟ فقالت: بفلان الهاشمي.
فأتاه، فذكر له خلته، فأخرج له صرة فيها ثلاثمائة دينار، فقال: والله, ما أملك غيرها. فأخذها الواقدي، فساعة دخل منزل جاءه بعض إخوانه, وشكا إليه خلته، فدفع إليه الصرة بختمها، وعاد صاحب الصرة إلى منزله. فجاءه الهاشمي فشكا خلته، فناوله الصرة، فعرفها الهاشمي، فقال له: من أين لك هذه؟ فحدثه بقصته، فقال: قم بنا إلى الواقدي، فأتوه. فقال له الهاشمي: حدثني عنك, وعن إخراج الصرة، فحدثه الحديث على وجهه، فقال الهاشمي: فأحق ما يعمل في هذه الصرة أن نقتسمها، ونجعل فيها نصيبًا للمرأة التي وقع اختيارها عليه، ففعلوا. [نثر الدر للآبي].
أشعب يفر من إمامة المساجين:
كان زياد بن عبد الله الحارثي (خال أبي العباس أمير المؤمنين) واليًا لأبي العباس على مكة، فحضر أشعب مائدته في أناس من أهل مكة، وكانت لزياد بن عبد الله الحارثي صحفة يخص بها، فيها مضيرة من لحم جدي، فأتى بها، فأمر الغلام أن يضعها بين يدي أشعب, وهو لا يدري أنها المضيرة، فأكلها أشعب، يعني أتى على ما فيها، فاستبطأ زياد بن عبد الله المضيرة، فقال: يا غلام, الصحفة التي كنت تأتيني بها، قال: قد أتيت بها – أصلحك الله - فأمرتني أن أضعها بين يدي أبي العلاء، قال: هنأ الله أبا العلاء, وبارك له، فلما رفعت المائدة، قال: يا أبا العلاء – وذلك في استقبال شهر رمضان – قد حضر هذا الشهر المبارك، وقد رققت لأهل السجن لما هم فيه من الضر، ثم لانضمام الصوم عليهم، وقد رأيت أن أصيرك إليهم, فتلهيهم بالنهار, وتصلي بهم الليل، وكان أشعب حافظًا لكتاب الله، فقال: أو غير ذلك - أصلح الله الأمير - قال: وما هو؟ قال: أعطي الله عهدًا ألا آكل مضيرة جدي أبدًا. فخجل زياد، وتغافل عنه. [الجليس الصالح].
الأحنف والصبر على الطاعة:
قيل للأحنف في شهر رمضان: إنك شيخ كبير، وإن الصوم يهدك، فقال: إن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله. [الكشكول للعاملي].
من الحـر أفـر:
ويروى عن الأصمعي أنه قال: هجم علي شهر رمضان, وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هربًا من حر مكة، فلقيني أعرابي، فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد هذا البلد المبارك لأصوم هذا الشهر المبارك فيه. فقلت له: أما تخاف الحر؟ فقال: من الحر أفر.
وهذا الكلام نظير كلام الربيع بن خثيم، فإن رجلاً قال له – وقد صلى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك، فقال: راحتها أطلب. [الكامل في اللغة والأدب]
جزاء من كره رمضان:
تراءى المأمون بهلال شهر رمضان, وأخوه أبو عيسى معه، فقال أبو عيسى:
دهاني شهر الصوم لا كان من شهر

ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر

فلو كان يعديني الإمام بقدرة

على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر

فناله بعقب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرات، إلى أن مات, ولم يبلغ شهرًا مثله. [التذكرة الحمدونية]
فقه أبي حنيفة:
أتى رجل أبا حنيفة بالمدينة، فقال له: قد وصفوك لي، وأريدك أن تخلصني من يمين عجلت فيها، وقد استفتيت ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، وعطاء، وغيرهم، فلم يخرجوني من مسألتي بحال. قال: وما هي؟ قال له: إني حلفت أن أطأ امرأتي في شهر رمضان بالنهار، فقال له أبو حنيفة: فإذا أخرجتك عن يمينك تعاود؟ قال: لا. قال: اذهب، فاعمل على أن تسافر بامرأتك ثلاثة أيام. فإذا جاوزت أبيات المدينة, فافطر، وتفطر زوجتك، وطأ، ولا تعاود ما كان منك، واقض أيام فطرك بعد انقضاء سفرك. قال: فقبل رأسه، ودعا له، وانصرف. [التذكرة الحمدونية]
طفيلي ومائدة رمضان:
حكي عن طفيل كان يحضر على طبق عميد الدولة أبي منصور بن جهير في شهر رمضان ويضحك، فأمر له بشيء، وحجبه عن الطبق، ترفعًا عن الهزل، فتأخر أيامًا ثم حضر، فلما رآه قال: ما موجب الحضور بعدما أمرناك به؟ قال: إذا لم يستحضرني مولانا، ولم أحضر أنا صارت وحشة، فضحك منه واستمر حضوره.
ذكاء إياس في ترائي الهلال:
وتبصروا هلال شهر رمضان, وهم جماعة، وفيهم أنس بن مالك، وقد قارب المائة، فقال: قد رأيته. فقال إياس: أشر إلى موضعه. فجعل يشير، ولا يرونه. ونظر إياس إلى أنس، فإذا شعرة من حاجبه بيضاء قد انثنت، فصارت على عينه، فمسحها إياس وسواها، ثم قال: يا أبا حمزة أرنا موضع الهلال. فنظر، فنظر، فقال: ما أرى شيئًا. [نثر الدر]
عبد الملك بن مروان ورمضان:
قال عبد الملك: ولدت في شهر رمضان، وفطمت في شهر رمضان، وختمت القرآن في شهر رمضان، وأتتني الخلافة في شهر رمضان، وأخاف أن أموت في شهر رمضان. فلما دخل شوال وأمن بها مات. [التذكرة الحمدونية]
موعظة الحسن الرمضانية:
ومر الحسن بقوم يضحكون في شهر رمضان، فقال: يا قوم، إن الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يتسابقون فيه إلى رحمته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المتخلفون؟ أما والله, لو كشف الغطاء لشغل محسنًا إحسانه، ومسيئًا إساءته.
ونظر عبد الله إلى رجل يضحك مستغرقًا، فقال له: أتضحك، ولعل أكفانك قد أخذت من (عند) القصار.
وقال الشاعر:
وكم من فتى يمسي ويصبح آمنًا

وقد نسجت أكفانه, وهو لا يدري

المهتدي يتشبه بعمر بن عبد العزيز:
قال أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدي عشية من العشايا، فلما كادت الشمس تغرب وثبت لأنصرف، وذلك في شهر رمضان، فقال: اجلس، فجلست، ثم إن الشمس غابت، وأذن المؤذن لصلاة المغرب وأقام، فتقدم المهتدي فصلى بنا، ثم ركع وركعنا، ودعا بالطعام، فأحضر طبق خلاف، وعليه رغف من الخبز النقي، وفيه آنية في بعضها ملح، وفي بعضها خل، وفي بعضها زيت، فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل مقدارًا، أنه سيؤتي بطعام له نيقة، وفيه سعة، فنظر إلي وقال لي: ألم تك صائمًا؟ قلت: بلى، قال: أفلست عازمًا على صوم غدٍ، فقلت: كيف لا, وهو شهر رمضان، فقال: فكل, واستوف غذاءك، فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى، فعجبت من قوله، ثم قلت: والله, لأخاطبنه في هذا المعنى، فقلت: ولم يا أمير المؤمنين؟ وقد أوسع الله نعمته، وبسط رزقه، وكثير الخير من فضله، فقال: إن الأمر لعلى ما وصفت والحمد لله، ولكنني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله، فأخذت نفسي بما رأيت.
قال القاضي: ولم تزل المنافسة في أعمال البر وأبواب الخير، في أثر المتقين وسبيل الصالحين، وقد وفق الله المهتدي رضوان الله عليه من هذا، لما يرجى له المثوبة منه, والزلفى لديه، وفقنا الله وإياكم لطاعته, وحسن عبادته. [الجليس الصالح].
الأعمش وليلة الشك:
أتت ليلة الشك من رمضان، فكثر الناس على الأعمش يسألونه عن الصوم، فضجر، ثم بعث إلى بيته في رمانة فشقها ووضعها بين يديه، فكان إذ نظر إلى رجل قد أقبل يريد أن يسأله تناول حبة فأكلها، فكفى الرجل السؤال، ونفسه الرد. [العقد الفريد لابن قتيبة]
أعرابي يسأل في رمضان:
وقف أعرابي في شهر رمضان على قوم، فقال: يا قوم، لقد ختمت هذه الفريضة على أفواهنا من صبح أمس، ومعي بنتان لي، والله, ما علمتهما تحلتا بحلال، فهل رجل كريم يرحم اليوم ذلنا، ويرد حشاشتنا، منعه الله أن يقوم مقامنا، فإنه مقام ذل وعار وصغار. فافترق القوم, ولم يعطوه شيئًا، فالتفت إليهم حتى تأملهم جميعًا، ثم قال: أشد - والله - علي من سوء حالي وفاقتي توهمي فيكم المواساة، انتعلوا الطريق لا صحبكم الله. [العقد الفريد لابن قتيبة]