"من تعرض لرحمات الله نالها.. ومن أعد الأسباب التي في يده ليستعمله الله فتح الله له باب العمل من حيث لا يحتسب.. ورزقه فوق ما يستحق اعداده..
شريح.. رجل عادي.. من أهل اليمن.. حرم من العدل منذ صغره فصار العدل أكبر معنى في حياته..
أسلم في الثلاثين على يد علي بن ابي طالب مع أهل اليمن.. ومنذ أسلم.. كان حلمه أن يكون سببا في احقاق العد ل في الأرض.. لم يكن يملك منصبا.. ولا عينه أحد.. ولا استعمله أحد.. لم يكن إلا رجلا من البسطاء.. لكنه عشق حلمه في احقاق العدل...وبدأ يعد نفسه وهو في بيته.. فدرس وقرا وتفكر وأعد كل ما يمكن أن تقع عليه يده من ذكر للعدل في القرآن او السنة.. وتخيل نفسه في ذلك الموقع الذي يمكنه به احقاق العدل.. وتخيل كل القضايا الشائكة التي يمكن أن تعرض عليه.. وأعد لها في نفسه قرارا عادلا..
وبعد 13 سنة من الاعداد.. بعد أن بلغ شريح من العمر 47 عاما بغير أن يرى أي بادرة لتحق حلمه.. جاء اليوم الذي دبر الله له فيه تدبيره.. فاختلف عمر بن الخطاب الخليفة آنذاك مع أحد المسلمين فأرادا أن يحتكما إلى أحد.. فاختار خصم عمر شريحا ليحتكم إليه..
وحان وقت الاستعمال والفتح الإلهي الكبير...وحكم شريح.. وأعجب عمر بحكمه.. وبفهمه العميق في القضاء.. فعينه قاضيا على الكوفة.. وبقي شريح قاضيا للمسلمين على مدى60 سنة و لمدة حكم 5 خلفاء.. أمد الله في عمره حتى المائة وسبعة وهو بكامل عقله ولا يزال في منصبه.. أمد الله في عمره أضعاف ما فاته من وقت للإعداد. وقت أن كان بذرة تحت الأرض لا يراها الناس ولكن جذورها تمتد في الأرض.. وترسخ وتهيئ لشجرة طيبة تخرج بعد 13 سنة.. أصلها ثابت وفرعها في السماء, تؤتي أكلها بإذن ربها 60 سنة و تستمر في إيتاء أكلها حتى بعد وفاة شريح بما تركه من تراث في احقاق العدل..
إنما علينا الاعداد.. وعليه سبحانه الفتح والتمكين..
وبناء الجذور الراسخة وان استغرق وقتا ولم يبد للناس فهو الأساس لكل عطاء كبير يبقى أثره..
أما ما نراه اليوم من ضوضاء.. يحدثها الغث والسمين...طلبا للشهرة والمجد.. الكل يتكلم.. الكل يتفلسف.. الكل يمسك بمنبر.. الكل يريد أن يشتهر ويعلو اسمه ..بلا جذور.. بلا عمق.. وبلا معنى..
فأحق ما يقال فيه أنه كالزبد الذي يذهب جفاء.. ويجرفه السيل بكل سهولة...مهما كثر المتابعون والمصفقون"
#طابت ايامكم بكل خير