لو أنها تعود يوماً ~كنت ذات يوم طفلا صغير ألعب مع الأطفال الاخرين أقصى أهتماماتي هو اللعب وموعد إشراق يوم جديد هو يوم لا يلبث في الطلوع إلا وأنا مستلقٍ تحت شجرة حيّنا الكبيرة ولكن بحكم الزمن يجب على كل صغير أن يكبر و أن يواجه كل مجريات زمانه مهما كانت تبلغ من صعوبة عكس طفولتي تماما ، كانت تسير حياتي وأنا شاب وكأنما كل شي ينقلب ضدي لم أعد أحتمل ، فأمي التي تعمل في مشغل للخياطة تعود وهي متعبة منهكة وقليلة هي فترات مكوثها في المنزل بعد ما ودعنا أبي الوداع الذي لا لقاء بعده أنا وأخي الذي يكبرني بخمس سنوات أخي المتسلط الذي فقط يأمر وينهي ويمّن علي بالمصروف وأمي التي لا تخالف له أي رأي بتاتا فكلامه حكم لا تبديل فيه ، أما أنا فكنت أخرج وأرفه عن نفسي مع الأصدقاء ..أقصد من يطلقون على انفسهم هذا المسمى ولكن لم يكونوا أصدقاء للخير كلا ولا بل كانوا أعوانا للشر والمصائب لقد جعلوني أسلك طريقاً زلقا خاطئاً طريق المخدرات القاتلة ذهبت معهم وأنا بكامل الصحة والعافية ومع الأيام أنقلب لوني للسواد وشحبت ملامح وجهي وهزل جسمي
بدأ أخي يشك في خروجي الدائم والمستمر من المنزل وفي زيادة طلبي للمال وأيضاً أمي أصبحت تشتكي من قلة تناولي للطعام ونومي الزائد
وشكلي الذي تغير كليا ومعه تغيرت شخصيتي أيضا فقد كنت أغضب بسرعة وأرمي بكل شي أجده أمامي و أسرق نقود أمي دون علمها واتجه مسرعاً للصحبة ! صحبة دمرتني دون علمي ، تلاحقت الأيام وزاد إدماني للمخدرات أصبحت شخصاً مخيفاً جداً وغامض أيضاً أصبح الأطفال يخافون مني بعد ما كنت مدرب لفريقهم في رياضة كرة القدم وصديقهم الدائم ..
أصبحت منعزل عن الجميع وأدمنت أدماناً شديداً حتى أكتشفت أسرتي ذلك
ولكن بعد فوات الآوان .. بعد ما صرت عصبياً لا أطيع أحداً ولا آبه لأحد
رحت كعادتي وكأن الجنون أصابني رحت أبحث عن صاحبي لكي يعطيني المزيد فالمزيد ولكني لم اجد أحد فأزداد جنوني هلوسة
وعدت للمنزل وأنا أصرخ وأكسر كل ما أجده أمامي حتى أغشي علي
ولم أشعر إلا وأنا على فراشٍ ناعم وغرفة باردة وهادئة ولكنني لم أستطع أن أفتح عينيّ وكنت أسمع وأشعر بكل ما يدور حولي ولكن يداي لا حراك لها وقدماي أيضاً وكأنني مخدر بالكامل وأنا أجاهد لفتح عيني وكانت الإضاءة قوية والبياض يملئ المكان سرعان ما فتحت عينيّ جاءت صاحبة الرداء الأبيض لتفحصني ، لم أكن أعلم ماذا يجري فقط أردت أن أرى أمي وأخي أين هما ؟ كنت أرمي الأشياء أرضاً وفجأة توقف كل شي ، دخلت أمي وهي تبكي وتقول : رائد ..رائد هل أنت بخير يا بني ماذا فعلت بنفسك يا عزيزي لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك ؟ لقد قلقت عليك
قلت لها بنبرة تملؤها عبرة وعتاب : ألهذه الدرجة أنا مهم ؟ وأين كنتِ يا أمي قبل ذلك ..لماذا الأن وبعد ما فات الأوان تتأوهين وتتألمين ؟ افتقدت وجودك يا أمي
ردت على ابنها بأسف : شغلتني عنك الحياة ، لم أهتم بك كما تفعل باقِ الأمهات ، سامحني ، سامحني أرجوك
وكانت أجابتي أن لا بأس يا أمي لا تخافي سأكون على ما يرام
جاء أخي وقال بصوت جاف وقاسي : هيا يا أمي لنعود أدراجنا ، على رائد أن يأخذ علاجه
ثم ذهبت أمي مع أخي الذي لم يخاطبني بكلمه واحدة
ذهبوا بعد ما علمت أني في المصحة وأني الأن آخذ علاجي من أدمان المخدرات .
وبعد ستة أشهر تعافيت تماماً وكانت أمي تزورني كل يوم خلاف أخي الذي لم أره منذ أول مره رأيته منذ أن دخلت المصحه.
خرجت من المصحة وأنا سعيد جدا وفي طريقي إلى المنزل .. كانت سعادتي لا توصف ووصلت لمنزلي الذي أصبح جنة بالنسبة لي
دخلت ورأيت أمي تعد الغداء وذهبت إليها وقبلت رأسها وتسابقت دموع الفرح ترسم معبرا على خدي البارد
وكانت أمي أشد فرحا مني أنا ولكن ..أين أخي؟ وأين ذهب؟
وجهت السؤال إلى أمي وكانت إجابتها : كعادته ذهب للجلوس تحت الشجرة الكبيرة بعدما أصبح منعزلاً ولا يخالط أحد
تسابق السؤال بصوتي القلق : ولماذا لا يخالط أحد ؟
إجابتك يا سؤالي هي : لا أعلم يا بني منذ أن دخلت المصحة أصبحت هكذا حاله
علمت حينها أني سببت له إحراجا وجلبت له العار ذهبت للشجرة مسرعا ورأيته جالساً مهموماً وصرخت بنشوة من السعادة العارمة : سعد ...
رفع سعد رأسه وأبتسم لا شعوريا ووقف فرحاً جريت نحوه فرحاً وأستقبلني بأحضانه
وقال لي : أنا أسف يا رائد
كان رده غريبا لماذا يتأسف أنا من وجب عليّ الاعتذار !
فواصل سعد اعتذاره : أجل أنا آسف يا رائد لم أكن أخاً مثالياً لقد عاملتك معاملة قاسية ولم أهتم بك سامحني أرجوك
وإجابتي كانت : سامحتك ولا ذنب لك فسامحني
قال : سامحتك يا أخي سامحتك
وبعد الظروف القاسية أيتها الحياة عاد شريط طفولتي ،عدت طفلا حراً طليقا ذهبت ألعب مع الأطفال ،وأقص لهم قصصا رائعة ، ورأيت عالم طفولتي في عيونهم ، ورسمت مستقبلي بطهارة نفوسهم ، وها أنا الآن أعمل في بناء مؤسسة خيرية للأيتام وسوف اذهب كل يوم بعد إتمامها لمساعدتهم وتوجيههم نحو الطريق القويم المستقيم ، كي لا ينحرفوا ويضيعوا في متاهات الزمن ؛ طفولتي لن تعود حقاً ، ولكنني سوف أعيدها على جيل جديد ، والآن سوف أظل أرسم حياتي بمعاني حياتهم ، فما أجمل حياة وبراءة الأطفال .