لم يبقى على أذان الفجر سوى نصف ساعة ، وآثار أقدامه على الشاطئ تنبئ الناظر اليها أن صاحبها قد مكث ساعات طوال يذرع الشاطئ ذهابا وايابا .تارة يرفع رأسه للسماء ينظر الى القمر، إنه اليوم الرابع عشر من شهر صفر ، القمر مكتملا كوجه حسناء في ليلة عرسها، وعلى صفحة البحر تتراقص أمواجا هائمة لا تكاد تصدر هديرا كأمواج الخريف ، تزحف حينا وتنحسر حينا آخر في سيمفونية حالمة لو عاشها شاعرا لنظم فيها أبياتا نرجسية ولو رآها كاتب قصة لكتب أحلى روائعه .يقترب أحيانا من الأمواج الزاحفة على الشاطئ لتلامس قدماه الحافيتين ، علّ ذلك يزيح شيئا من هموم جثمت على صدره مساء هذا اليوم عندما طرده والده من البيت.

لم تفلح كل هذه الأجواء الحالمة أن تنتشله من الكآبه التي أحاطت به كلما تذكر كلمات والده ووجه أمه وأخواته وهن يتوسلن والده باكيات أن يعفو عنه .جلس على الشاطيء ليريح قدميه ، ووضع وجهه بين يديه، ثم رفع رأسه مثاقلا عنما سمع صوتا في هذه اللحظة أنه الأذان وكأنه يسمعه لأول مرة. أصغى سمعه لصوت الأذان بعد أن كان لا يطيق سماعه، لأول مرة يستمع الأذان كاملا وظل يردد مع المؤذن، وعندما وصل المؤذن الى (الصلاة خير من النوم) ، قام لتوضأ ، لم يتذكر في البداية من اين يبدأ ، لقد مضى وقت طويلا منذ ان هجر الصلاة بعد ان تعرف ذلك الصديق الذي لم يكن صديقا حقيقيا.

أمه واختاه في البيت لم يستطعن النوم ، حاولت أمه مرارا طرق باب غرفة زوجها لتتوسل اليه يخرج يبحث عن إبنه. لكنها تتراجع في كل لحظة خوفا من غضبه. في هذا الأثناء كان صوت المؤذن ينادي حي على الصلاة فوجدتها فرصه لتوقضه للصلاة . وقف لحظة بباب الغرفة ينظر الى زوجته وبناته والدموع ترسم خطوطا على وجوههن، لم يكلمهن ، لكنه فهم في قرارة نفسه ماذا يردن . خرج الى المسجد كعادته وقد عزم أن يبحث عن إبنه بعد أن يفرغ من الصلاة. بعد أن أنهى ركعتي سنة الفجر ، حدثت منه التفاته .. يا إلهي أأنا في حلم أم في علم . اليس هذا مازن أبني ؟مازن يصلي الفجر ،أيعقل هذا ؟ ثم رفع يديه للسماء يا ربي لك الحمد.

أنتهى المصلين من صلاة الفجر وقام مازن الى والده يقبل رأسه ويديه ويطلب عفوه ورضاه .جموع المصلين ينظرون الى هذا المشهد المهيب ، وابومازن يردد الآية والدموع تسيل على خديه ( إنك لا تهدي من أحببت إن الله يهدي من يشاء).
أنتهت