لـن تـغــيـبـي يـا ضــيـاءَ الأبـجــــديــة !!
لم يكن رحيلها رحيلا عاديا يلف بالدعوات والدموع والصلاة والترحمات ثم العزاء والختام والغياب عنها في زحام الحياة والنسيان .. فقد كان الفقد جسيما ومؤلما وتراجيديا في قصته .. وحين نشرت الكاتبة الوفية المخلصة الأستاذة القديرة / وداد روحي خبر وفاتها بالسبلة ثم تلك المرثيات النثرية الباهرة التي هطلها و سطر كلماتها قلبها النازف الوفي بحبر الألم الصادق ووجع الفقد المبرح والحزن العميق الذي ما فتأ يعاود بصخب أمواجه بحر مشاعرها كإنسانة أولا وككاتبة أصيلة مرهفة الاحساس والحروف ثانيا .. حين نشرت الأستاذة وداد روحي هذا النزيف المتتالي هنا بالسبلة العمانية وفي مواقع نتية أخرى كنت أقرأ ما تكتب وتنشر بكل مشاعري وكأني في الحدث نفسه والمصاب نفسه .. فكان الانعكاس المباشر مؤثرا جدا هو الآخر على نفسية المتلقين القراء وأنا واحد منهم .. لم تكن مريم الشهَّاب إمرأة عادية في حياة وداد روحي .. هذا ما استنتجته مشاعرنا ونحن نقرأ نصوص وداد بعمق وباندماج وبخاصة رائعتها الأدبية ( مريم .. ذاكرة الشوق والوجع ) وغيرها من النصوص التي لا يزال كثير منها حتى الآن رهن الأدراج .. كانت هذه المرأة الشهيدة أجمل رفيقة في حياة وداد .. وفي زمن شحت فيه الصداقة الحقيقية كانت مريم الشهَّاب أقرب صديقة لوداد وأقرب زميلة لها في العمل وكانت هذه الثنائية المتلاحمة لروحيهما قد جعلت منهما بحق أجمل ثنائي قوي على الإطلاق .. ولم تكن العلاقة علاقة يوم أو شهر أو عام بل رحلة عمر تقاس بالسنين الطويلة .. زرعت دروبها بورود المحبة والإخـاء والوفاء والاخلاص والتعاون والايثار وبالصحبة الطيبة في الحلوة والمرة والحزن والفرح والشدة والرخاء من الحياة .. وكانت زمالة العمل والعيش والملح أهم أبرز صور ذلك الترابط المتين الذي ربط الثنتين معا بحبل وشائجه والذي لم ينفصم ولم تنفك عراه على مسرح الأيام إلا بالموت وبالموت فقط وما أقسى الموت حين يخطف منك أعز إنسان لديك وبشكل مفاجىء وصادم جدا للروح وللشعور .. مريم الشهَّاب المعلمة الشهيدة كانت رمزا للمعلم الرسول المخلص في رسالته المقدسة .. خدمت وطنها وأمتها بصمت الجندي الأمين في عمله وواجبه وكانت سعيدة وفخورة بهذا الشرف جنبا إلى جنب مع رفيقتها في مسيرة الوفاء والعطاء الأستاذة وداد روحي .. وداد روحي التي أبت إلا أن تظل على نفس روح وفائها وإخلاصها لرفيقة عمرها .. فألف تحية إعزاز وثناء وفخر لك يا أستاذتي الغالية على هذه الروح الجميلة الأصيلة فيك و المشعة بالنبل والحب وصدق التذكار الذي لم يـنـسَ رفيقة العمر رغم قسوة الرحيل وألم الفقد .. وألف رحمة ونور لمريم الشهَّاب الانسانة والأم والمعلمة والمربية والوطن في أجمل صور أبنائه البررة والذاكرة في أروع صداها الودادي الذي عاهد الوفاء أن لا ينسى أجمل من مرت بصفحة الحياة ..
مــريـم الشــهَّــاب ..
ســلام عليها يوم ولدت ويوم عاشت ويوم ماتت ويوم تبعث حية بلباس الشهيد .
أترككم مع نص المرثية المتواضعة ذات المقاطع الثلاثية وقد صغت كلماتها بلسان أمرأة فقدت صديقتها .. مع خالص شكري وعميق تقديري للأستاذة وداد روحي التي دعمت هذا النص ببعض الصور الخاصة بالمرحومة .. ولكم أحبتي عميق المحبة والاحترام .
لـن تـغــيـبـي يـا ضــيـاءَ الأبـجــــديــة !!
( 1 )
أمشي أرافـق بالشواطىء طيفها
وأعود غيما دامع الأحداقِ !!
حـزني يـراه الناس رغم تبسمي
ويـشــف آهي بما خـفـت أعماقي !!
يا من تـفـتـش عن صباح سعادتي
غـربـت بمـريـمَ ضحكتي . إشــراقي !!
☼ ـــــــــــ ☼
من بعد فقدك مريـم الشهَّـابُ
دنياي تمضي أدمعـاً تـنـسـابُ !!
إن جـئـتـهـا شُــطـآنُ صُــورَ تـزاحـمـت
أمواج شوقي بطيفكِ الأوَّابُ !!
يا كـيـفَ يـرتـجـعُ الضـيـاء وهـا هـنـا
لـيـلٌ حـزينٌ غــيَّـبَ الأحــبـابُ !!
O O O
يا مريم العمر السعيد تركتني
قـلـبـاً تـضـج بـنـزفـهِ آلامي !!
ودروبُ أمـسٍ عـنـك يـبحـث خطوها
أيعـودُ فُــقــدٌ ؟! آهــي من أوهامي !!
لـو تـرجـع الأيامُ كنت رجـوتها
أمسـاً ضحـوكاً غــاب من أيامي !!
► ○ ○ ◄
( 2 )
كرسي الفقيدة غارق في صمته
مـذ فارقته زهرةُ التوليبُ !!
أين الرفيقة مريـمٌ تلك التي
كان الندى من كفها تصبيبُ !! ( 3 )
أنا بين جدران الكآبةِ بعدها
كخريف عمرٍ لاح فيه الشــيـبُ !!
● ● ●
صـمْـتـاً ومكتبنا الصغير فـراغـه
لا روح في جنباتهِ أو ضحكُ !!
أين التي كانت وكان حديثها
شــدو البلابل خلته أو مســـكُ ؟!
رحلت وللحزن العميق مدامعا
لم تُبقِ أحبابا هنا لم يبكوا !!
♦♦ ♦
( 4 )
صُــورُ العفية ؟! أم تـراها مـريـمٌ ؟!
تختال في نبضي وهذي الذاكرة !!
إن صاح ( يـامـالُ ) المراكب جـاوبـت
أصداء ذكركِ صرخةٌ أو خاطرة !!
تـبـقـيـن يا بـنـت البحـورَ حبيبتي
ما كنت اســمـاً أو مجــرد عـابـرة !!
♥ ♥ ♥
يا ســورة الحــب التي رتـلـتـهـا
ورســمـتُ في محــرابـهـا آيـاتي
سـأهـزُّ جـذعـكِ في مخـاضِ قـصـيـدتـي
يا مــريـمـاً يـا مُـشـتـهـى أبـيـاتـي !!
ظـلي القصيدة والخواطر والـرؤى
ظـلي فـأنـتِ ــ حـبـيـبـتي ــ كـلـمـاتـي !!
شــعـر : ســــعـيد مصــبـح الـغــافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
* هـامـش :
ـــ ( 1 ) منظر بحري لمدينة صُــور عروس المنطقة الشرقية وسليلة البحر منذ القدم . هنا عاشت مريم الشهاب بين البحر والتاريخ .
ـــ ( 2 ) الندى : الكرم والجود والسخاء .
ـــ ( 3 ) مكتب المعلمة الراحلة مريم الشهَّاب بمديرية محافظة جنوب الشرقية .
ـــ ( 4 ) ولـدا الراحلة مريم الشهَّاب : الإبن الأكبر المعتصم حاملا أخاه الأصغر سلطان .