https://www.gulfupp.com/do.php?img=92989

قائمة المستخدمين المشار إليهم

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 41

الموضوع: ♡♡ حضارات مفقوده - الجزء 1 ♡♡

  1. #11

    المدير العام للشؤون السياسية والإقتصادية

    الصورة الرمزية طبيب الزجاج
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    14,497
    Mentioned
    32 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    6
    من بداية خلق البشريه هناك حضارات كثيره اندثرت وتأتي غيرها وقد ذكر الله سبحانه وتعالي في القرآن القصص التي مرت علي هؤلاء القوم والرسل الذي كانوا معهم وعقاب الله لهم


    موضوع جميل شكرا
    ** من يتجرأ ينتصر **

    •   Alt 

       

  2. #12
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طبيب الزجاج مشاهدة المشاركة
    من بداية خلق البشريه هناك حضارات كثيره اندثرت وتأتي غيرها وقد ذكر الله سبحانه وتعالي في القرآن القصص التي مرت علي هؤلاء القوم والرسل الذي كانوا معهم وعقاب الله لهم


    موضوع جميل شكرا
    الف شكر لك اخي القدير طبيب الزجاج على مرورك واضافتك الطيبه .
    سعيد بك
    سلام للقلوب الصادقة

  3. #13
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    تابع ديلمون :

    + أسطورة الفردوس:

    لم تكن دلمون مجرد مملكة صغيرة إلى الجنوب من بابل، ولم تكن مجرد محطة بحرية تجارية في الطريق من الهند إلى بلاد الرافدين ولا تقتصر أهميتها على مجرد معرفتنا بحضارة مفقودة أخرى أو مكان أثري آخر كما هو الحال مع ماجان وميلوخا وعيلام وبيت ياكين وغيرها من نقاط الحضارة المتناثرة حول بلاد الرافدين. وإنّما تكمن أهمية دلمون على وجه التحديد في أنّها تحتل مكاناً فريداً في الميثولوجيا السومرية والبابلية باعتبارها مكاناً مقدساً له مواصفات الجنة أو الفردوس.
    وتحدثنا أسطورة سومرية شهيرة عن دلمون كأرض طاهرة نظيفة مشرقة، لا موت فيها ولا مرض ولا عدوان، على نحو يفيد وجود فكرة سومرية عن جنة مقدسة في هذا المكان تصفها الأسطورة في أبياتها الافتتاحية كما يلي:
    أرض يلمون مطهرة... أرض دلمون نقية
    أرض دلمون نظيفة... أرض دلمون مشرقة
    في دلمون لا ينعق الغراب
    ولا تصيح الحدأة
    ولا يقتل الأسد
    ولا يفترس الذئب الحمل
    لا يوجد فيها كلب يقتل جدياً
    أو خنزير يسطو على غلة
    لا أحد يقول عيني تؤلمني
    ولا أحد يقول رأسي تصدعني
    فيها لا تقول المرأة العجوز: أنا عجوز
    ولا يقول الشيخ: أنا طاعن في العمر
    فيها الغادة لا تستحم (أي لا تتسخ)
    والماء المتلألئ لا يراق
    من يعبر النهر (الموت؟) لا تندو عنه.. (صيحة؟)
    ولا يمشي إليه الكهنة النائحون
    والمغنى لا ينطق بالبائيات
    ولا يقف إلى جانب سور المدينة (الجبانة؟) ويرفع عقيرته بالرثاء...
    هذه الأسطورة وردت في نص سومري اكتشف في نيبور عبارة عن لوح طيني كبير يضم 278 سطراً من الكتابة المسمارية في ستة أعمدة وهو محفوظ حالياً في متحف جامعة بنسلفانيا الأمريكية، وقد نشر النص لأول مرّة في عام 1915 ولكن ترجمته حينئذ كانت غامضة وغير مفهومة إلى حد كبير. وفي عام 1945 ظهرت ترجمته الدقيقة الواضحة على يد البروفيسور كريمر الثقة العالمي في الحضارة السومرية وأمين قسم الشرق الأدنى بمتحف جامعة بنسلفانيا.
    وكان كريمر نفسه هو أول من أطلق على هذه الاسطورة في كتابه "نصوص الشرق الأدنى القديم) أسطورة الفردوس، كما أنّه أسمى اللوح المكتوبة عليه الأسطورة "لوح امرمار" نسبة إلى السيدة امركار التي حملته من العراق إلى أمريكا.
    ولحسن الحظ فإنّ لوح امركار هذا الذي يحوي "أسطورة الفردوس" من أحسن الألواح السومرية حفظاً وسلامة، ليست به فراغات أو انقطاعات أو غموض مما أتاح للعلماء معلومات متصلة قيمة عن صسمات الفردوس لدى السومريين التي ربما تكون قد نفذت إلى التصور العبراني للفردوس.
    تجري أحداث الأسطورة في ديلمون التي توصف بأنّها "بلاد ومدينة" والتي رأينا وصفاً لها فيما سبق، أما أشخاصها الرئيسيون فهم (انكي) إله الماء و (نينخورساك) ربة الأرض وعدة آلهة أخرى من آلهة النباتات.
    وتمضي أحداث الأسطورة بعد الوصف الافتتاحي لجنة ديلمون فتقول أن الشيء الوحيد الذي كان ينقص ديلمون هو الماء العذب، ولذلك طلبت الربة نينخورساك (الأرض) من الإله انكي (اله الماء العذب) أن يوفر المياه العذبة التي تنقص هذه الجنة الأرضية، وهو ما فعله انكي بسعادة، ثمّ يتزوج انكي من نينخورساك وينجبان الإلهة نينسان أو نينمو (إلهة النباتات) ومما له دلالة أنّ الأسطورة تذكر أنّ فترة حمل نينخورساك لنينمو كانت تسعة أيام، أي أنّ اليوم يقابل شهراً بالنسبة للحمل البشري، ووضعت نينخورساك حملها بدون ألم... إذ لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه الأحداث تدور في الجنة، ولا ألم في الجنة.
    إلى هنا يبدو منطق الأسطورة مفهوماً... التزاوج بين الأرض والماء العذب ينتج النبات، فنحن إذن ازاء أسطورة تفسيرية أي أسطورة تفسر أصل الأشياء لا أسطورة طقوسية أي تستخدم للتلاوة في امراسم الدينية، غير أنّ الأسطورة التي نحن بصددها لا تلبث أن تدخل في مجالات لا يحيط بها ادراكنا الحديث، فتقول أنّ انكي واقع ابنته نينسان فولدت الربة نينكورا وهذه بدورها يوقعها انكي فتلد الربة أوتو التي توصف أيضاً بأنها من آلهة النباتات، وعندئذ تحذر الربة الأم نينخورساك حفيدتها أوتو من انكي وتنصحها كيف تتصرف لتدفع عن نفسها غائلته، ولكن انكي وقد شاهد أوتو على حافة الغدير فتاة يانعة ناضجة يحن إلى مضاجعتها ويتقرب إليها، فتطلب أوتو -ربما نتيجة لنصيحة نينخورساك- أن يأتيها انكي بهدية من الخيار والتفاح والعنب (مما يدل على أن عادة هدية العرس كانت معروفة منذ أقدم العصور) ويحضر انكي الهدية المطلوبة إلى كوخ أوتو وتستقبله هذه بابتهاج، ونتيجة لاتحادهما تولد ثماني مولودات جديدات، ولكن قبل أن تتمكن نينخورساك من اعطاء هذه المولودات أسماءها وخصائصها يبعث انكي رسوله إسيمود لاحضارها له حيث يأكلها جميعاً واحدة وراء الأخرى.
    هذه التفاصيل يغمض تفسيرها كما هو واضح، ولكن ربما كانت تشير إلى تفسير بعض الظواهر النباتية نتيجة لاتحاد الماء بالنباتات المختلفة، فتنشأ مثلاً الطحالب ومواد الصباغة... إلخ.
    وعلى أية حال تمضي الأسطورة فتقول أنّ نينخورساك تغضب غضباً شديداً من انكي وتصب عليه لعنات رهيبة وتنصرف عنه، كما تستاء الآلهة الأخرى أيضاً من أفعاله، ونتيجة لذلك يسقط انكي مريضاً مصاباً في ثمانية أجزاء مختلفة من جسمه.
    ولنا أن نتصور كيف تتدهور الأشياء نتيجة للخصام بين انكي ونينخورساك، أي نتيجة لانحسار الماء العذب عن الأرض الخصبة، فلا بدّ أن تكون النباتات قد ذبلت ووحوش جنة ديلمون وطيورها قد تضررت، إنّ شيئاً غير مقدس (الخصام والغضب) قد حدث في هذه الأرض المقدسة، ولكن الوضع لا يستمر على ذلك طويلاً، إذ يتصدى ثعلب الجنة للمصالحة بينهما، ونتيجة لدهاء الثعلب تعود نينخورساك وتقرر معالجة انكي بأن تخلق ثماني آلهات تتولى كل منها شفاء جزء من أجزاء انكي المريض. وهكذا تخرج ثماني آلهات جدد كان آخرها الاله انشاج المقابل السومري للاله انزاك اله ديلمون الذي عُثر على اسمه مكتوباً على الحجر الأسود الذي اكتشفه الكابتن ديوراند في البحرين.
    ويشير الباحثون إلى وجود علاقة لغوية بين أسماء كل من هذه الآلهة الثماني وبين أسماء الأعضاء المصابة في جسد انكي وتبرز منها بصفة خاصة إلهة تدعى نينتي تتولى علاج ضلع انكي، إذ إنّ كلمة "نن" بالسومرية معناها سيدة، وكلمة "تي" تعني ضلعاً، فيكون اسم هذه الربة "سيدة الضلع" ومن العجيب أيضاً في اللغة السومرية أنّ كلمة "تي" تعني ايضاً في اللغة السومرية (الحياة) أي أنّ اسم هذه الربة يمكن أيضاً أن يكون "سيدة الحياة" ... أو "حواء".
    وهنا نجد تشابهاً قوياً ملفتاً للنظر بين الاسطورة السومرية وقصة التوراة عن خلق حواء من ضلع آدم. إذ يقول سفر التكوين : "فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحداً من أضلاعه وملأ مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم".
    والسطور الختامية في القصيدة السومرية ممحوة بعض الشيء ولكن يبدو أنها توحي بأنّ الىلهة الثماني اعتبرت بنات انكي وابنائه وقامت نينخورساك بتحديد مصائرها، ومن المهم أن نلاحظ أنّ هذه الأسطورة الغريبة لا مقابل لها في أساطير الشرق الأدنى القديم إلا فيما يتعلق بفكرة وجود عصر ذهبي في الماضي السحيق وهي فكرة الانتشار في كل أساطير البشرية.
    سلام للقلوب الصادقة

  4. #14
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    +تابع ديلمون :

    ×تأثر العهد القديم بفكرة الجنة الديلمونية :

    إنّ هذه الاسطورة السومرية التي تدور أحداثها في ديلمون تعد أول أقدم نص بشري يتحدث عن فكرة وجود أرض مقدسة وارفة الظلال، جارية الأنهار، تمت فيها عملية خلق على نحو ما، وهي أرض مبرأة من كل سوء، لا يعرف فيها المرض أو الموت، ولا تفترس الحيوانات بعضها بعضاً. هذه السمات قوية الايحاء بفكرة الجنة التي ورد ذكرها في سفر التكوين من العهد القديم مما جعل بعض الباحثين يتجهون إلى افتراض أنّ كاتب سفر التكوين قد تأثّر بفكرة الجنة الديلمونية. وبالطبع فإنّ هذا التأثير -كما يقولون- لم يكن بالضرورة نتيجة نقل مباشر، أي بترجمة الاسطورة الديلمونية إلى اللغة العبرانية القديمة، وإنما يمكن القول بأنّه وجدها في تراث شعبه فأخذها واستفاد بها ونسج قصة عن معتقداته حول الجنة.
    فإذا اضفنا إلى ذلك اشارة الأسطورة السومرية إلى خلق امرأة في هذه الأرض تتولى علاج ضلع رجل لأمكن القول أنّ التشابه بين الحكايتين لم يكن محض صدفة خاصة إذا كان اسم هذه المرأة واحداً في الحالتين، فهو مشتق من مادة الحياة، فالمرأة تدعى سيدة الحياة في القصة السومرية وحواء في سفر التكوين.
    والواقع أنّه ليس وصف الجنة وعلاقة حواء بضلع الرجل هما الامران المتشابهان الوحيدان بين سمات الجنة في سفر التكوين وتلك الاساطير السومرية الأدم عهداً بألف عام على الأقل وإنما هناك عناصر كثيرة متشابهة بينهما، فمثلاً هناك النص في التراثين على أهمية اكتساب المعرفة، والتحدث عن سر الولادة والخلق، وسر الحياة والموت، وسبب الالم والمرض والشقاء، وخلق الانسان الأول من عنصرين ترابي والهي كما نجد ذكراً في الحالتين لرموز معينة مثل الشجرة المقدسة وألواح القدر، ودهاء الحية، ونعرف من أسطورة أدابا (آدم) السومرية وملحمة جلجامش مدى اهتمامها بالبحث عن الخلود، وكيف أصبحا قاب قوسين أو أدنى من الحصول عليه، ثمّ فقداه نتيجة للضعف البشري، تماماً كما حدث لآدم في الجنة، بالرغم من اختلاف الوقائع المحددة في التراثين.
    ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يحدد سفر التكوين موقع الجنة في مكان ما من بلاد الرافدين أو بالقرب منها، وأن يذكر من بين أنهارها دجلة (حدقل) والفرات، فقد جاء في سفر التكوين : 14:12
    "ولقد أثبت السيد الرب جنة في ناحية الشرق من عدن ووضع فيها الانسان بعد ما خلقه، ومن الأرض أخرج السيد الرب كل شجرة تسر النظر وتكون صالحة للغذاء... ونهراً يخرج من عدن يروي الجنة ومن ثمّ يتجزأ في اربعة رؤوس فاسم الأول منها بيسون واسم النهر الثاني جيحون واسم النهر الثالث حدقل وهو الذي يجري نحو شرق آشور، والنهر الرابع هو الفرات".
    ويقول الدكتور فاضل عبد الواحد علي المتخصص في حضارات ما بين النهرين أنّ كلمة عدن ربما جاءت من الكلمة السومرية Adinu ومعناها السهل أو الأرض السهلة وبالإضافة إلى هذا المدلول العام للكلمة فقد ظهر من النصوص السومرية التي انحدرت الينا من فجر عصر السلالات الثالث (في حدود 2450 ق.م.) أنّ كلمة عدن كانت تطلق بالتحديد على المناطق السهلة الواقعة جنوبي مدينة أوما (خوجة الحالية) غربي مدينة لكش، وهي المنطقة التي كانت سبباً في نزاع طويل بين هاتين المدينتين أوما ولكش. ثمّ نجد التوراة تفترض ضمنياً أنّ جنة عدن كانت تقع في جنوب وادي الرافدين أي في سومر.

    وعلى ذلك يمكن القول بأنّ العبرانيين قد أخذوا اسم عدن ومكان وجودها في بلاد الرافدين عن الحضارة السومرية وربطوها بتصور الجنة الديلمونية دون أن يدركوا أنّ السومريين كانوا يتصورون وجود الجنة في جزيرة ديلمون بالتحديد، ومع ذلك فإنّ كلمة الفردوس التي تطلق أحياناً على الجنة يمكن أن تشير إلى موقع ديلمون بالتحديد.
    إذ يقول العلامة جواد علي (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام جـ1 ص 563 ) هناك نص بابلي يرجع إلى سنة 317 ق.م. وردت فيه عبارة "أرض رعيت برديسو" وتقابل هذه الكلمة كلمة Pildash أو Pardes بالعبرانية وفردوس بالعربية وتقع هذه الأرض في القسم الشرقي من جزيرة العرب بين ماجان (عمان الحالية) وبيت نبسانو (التي هي جزيرة ديلمون) وقد حملت هذه التسوية بعض العلماء على التفكير في أنّ ما ورد عن جنة عدن في التوراة إنما أريد به هذه المنطقة التي تقع في القسم الشرقي من جزيرة العرب وعلى سواحل الخليج.
    ويوجد في المتحف البريطاني خاتم سومري يرجع تاريخه إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد اشتهر منذ اكتشافه باسم "خاتم الاغراء" Seal of Temptation إذ إنه ينقل بصورة وافية جو الفردوس الذي ورد في التوراة فعناصر تصميمه تتألف من اله وشجرة وامرأة وحية جنباً إلى جنب، والشجرة محملة بالثمار، والحية تقف على ذنبها خلف المرأة وكأنها تهمس في أذنها. وقد اختلفت الآراء في هذا الخاتم فقال بعض المتحمسين من العلماء أنّه يمثل اشارة واضحة إلى قصة الاغواء التي تعرض لها آدم في الجنة، وقال آخرون أنّه لا ينبغي أن نحمّل الأثر أكثر مما يحتمل وإنّ التشابه بين محتوياته وعناصر قصة الاغواء الدينية ليس أكثر من مصادفة، ولكن ما يهم على أيّة حال هو أنّ هذا الخاتم يمثل مفهوم العراقي القديم للعصر الذهبي السحيق حيث كان يجتمع الآلهة والبشر تحت ظلال الأشجار وتشاركهم سعادتهم الطيور والوحوش دون عداء أو فزع، وهو نفس ما تمثله صورة ديلمون في اسطورة "انكي ونينخورساك" التي وردت في لوح امركار الذي أشرنا إليه فيما قبل، فهنا نجد أنّ الأسد لا يقتل، والذئب لا يفترس الحمل، والكلب لا يعقر، والخنزير لا يسطو على الغلة.

    ونجد لهذه الصورة أيضاً انعكاساً في سفر أشعياء بالتوراة حيث نقرأ عن حالة السلم والطمأنينة بين الإنسان والحيوان ما يلي:
    "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمّن معاً، وصبي صغير يسوقها، والبقروالدابة ترعيان، تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تيناً، ويلعب الرضيع على درب الصل، ويمد الفطيم يده على حجر الافعوان...". (أشعياء 1:6-10)
    سلام للقلوب الصادقة

  5. #15
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    + تابع ديلمون :

    × الناجي من الطوفان يحيا في أرض الخلود :

    هذه النظرة إلى ديلمون باعتبارها الجنة أو الفردوس الأرضي جعلت سكان بلاد الرافدين القدماء يعدونها أيضاً "أرض الخلود"، ولذا كان من الطبيعي أن تجعلها الآلهة المكان الذي يقيم فيه الرجل الذي نجا من الطوفان بعد أن منحته الآلهة حق الخلود.
    ولدينا نصان لأسطورة الطوفان أحدهما سومري وهو الأقدم بالطبع، والثاني بابلي آشوري مأخوذ عنه مع تغيير أسماء الأبطال والآلهة، والمعروف أنّ الحضارة البابلية الىشورية ورثت الكثير من ثقافة السومريين في اللغة والكتابة والأساطير والأدب والدين... إلخ.
    وفي أسطورة الطوفان السومرية نقرأ:
    تجمعت كل العواصف البالغة القوة وهاجمت كعاصفة واحدة...
    وفي وقت واحد غطّى الفيضان مراكز العبادات
    ولمدة سبعة أيام وسبع ليال
    ظلّ الطوفان يجتاح كلّ الأرض
    وأخذ القارب الكبير تتقاذفه العواصف فوق الأمواج العظيمة
    وانبلج أوتو (إله الشمس) وألقى ضوءه على السماء والأرض
    وفتح زيوسودرا نافذة القارب العظيم
    ونثر البطل أوتو أشعته داخل السفينة الكبيرة
    وتقدم زيوسودرا الملك
    وركع أمام أوتو
    وذبح ثوراً وغنماً
    وبعد انقطاع في اللوح المسماري الذي يحوي الاسطورة يمضي النص فيصف مصير زيزسزدرا قائلاً:
    تقدّم زيوسودرا الملك
    فركع أمام آنو وانليل
    وبارك آنو وانليل زيوسودرا
    وأعطياه حياة تشبه حياة الآلهة
    وهباه أنفاساً خادة كأنفاس إله
    وعندئذ، زيوسودرا الملك
    الذي حفظ اسماء النباتات وبذرة البشرية
    جعلته الآلهة يعيش
    في أرض ديلمون
    أرض العبور
    المكان الذي تشرق منه الشمس.
    ففي هذا النص السومري من اسطورة الطوفان تذكر الأسطورة صراحة أرض ديلمون كمكان يعيش فيه زيوسودرا ملك سيبار الناجي من الطوفان، إذ لما كان زيوسودرا قد منح حياة خالدة جزاء لأنّه "حفظ أسماء النباتات وبذرة البشرية" لذا كان من الطبيعي أن يحيا في أرض الخلود لأنّ الفكرة المسبقة لدى السومريين عن ديلمون أنّها الجنة.
    ولكن النص البابلي من أسطورة الطوفان، وهو الأحدث عهداً من النص السومري، لا يذكر ديلمون بالاسم كمكان يعيش فيه الناجي من الطوفان وهو أوتنابيشتيم الذي يعادل زيوسودرا في الاسطورة السومرية. ومن غير الواضح ما إذا كان عدم ذكر ديلمون في هذا المقام يعود إلى انقطاع في النص - إذ ان اللوح غير واضح بالفعل في هذا المكان- أو لأنّ البابليين لم يكونوا ينظرون إلى ديلمون كأرض جنة وخلود كما كان يفعل أسلافهم السومريون، خاصة أنّ هؤلاء -أي السومريين- كانوا ينفردون بأسطورة انكي ونينخورساك التي لا مقابل لها في الميثيولوجيا البابلية.
    ومع ذلك فإنّ النص البابلي أيضاً يشير اشارات قوية إلى امكان أن تكون ديلمون هي المكان الذي التقى فيه جلجاميش مع أوتنابيشتيم الناجي من الطوفان، إذ في نهاية القصة عندما تعلن الآلهة رضاها عن أوتنابيشتيم وزوجته يباركهما كبير الآلهة انليل ويمنحهما الخلود كآلهة، ويجعلهما يعيشان "هناك بعيداً عند فم الأنهار" وإذا لاحظنا أنّ ديلمون تقع على الامتداد البحري لفم نهري دجلة والفرات (وغيرهما من أنهار الهضبة العيلامية) أمكننا المطابقة بين مكاني اقامة بطل الطوفان في الأسطورتين.
    ولما كان النص البابلي هو الأوفى من حيث تفصيلات القصة فلا بدّ من استعراضه بشيء من الاسهاب في مقام البحث عن مركز ديلمون في الأساطير المسمارية.
    سلام للقلوب الصادقة

  6. #16
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    + تابع ديلمون :

    × زهرة الخلود :

    عثرت البعثة الدنماركية الأثرية برئاسة جيوفري بيبي عند أقصى الطرف الجنوبي لجزيرة المنامة - كبرى جزر البحرين- على آثار قرية صغيرة تتميز بوجود أكوام كبيرة من المحار الفارغ فيها، ثبت أنها جميعاً من محارات اللؤلؤ. وتفصل المنطقة التي تقع فيها هذه القرية عن الصحراء الجنوبية للمنامة سبخة كبيرة يتعذر السير فيها مما يشير إلى أنّ المنطقة التي عثر فيها على محار اللؤلؤ الفارغ كانت في الأصل جزيرة منفصلة مجاورة للشاطئ، ثمّ حدث الاتصال بينهما لأسباب طبيعية.
    ويرى جيوفري بيبي في كتابه "البحث عن ديلمون" أنّ هذا المكان لا بدّ أنّه كان في الأصل مستعمرة للغواصين القدامى، وأنّهم ينشرون فيه صيدهم من المحار حتى يجف في الشمس ويموت الحيوان بداخله ويفتح المحار فيجمعونه ويبحثون بداخله عن حبات اللؤلؤ الثمينة.
    وهذه طريقة قديمة في صيد اللؤلؤ وهي معروفة في أماكن مختلفة من العالم ولكنها ليست متبعة في الخليج الحديث، إذ أنّ الغواصين العرب في العصور الحديثة كانوا لا يبرحون ظهر مراكبهم، وبعد أن يحصلوا على اللؤلؤ يلقون بالمحارات الفارغة في البحر مرّة أخرى.
    ولذا فإنّ هذه المستعمرة لصيادي اللؤلؤ لا بدّ أن تكون أقدّم عهداً من الأسلوب امتبع حديثاً، مما يدل على أنّ صيد اللؤلؤ في البحرين كان حرفة قديمة جداً. وقد تبين لبيبي بالفعل أنّ هذه المستعمرة يعود زمنها إلى الألف الثالث قبل الميلاد نظراً لتماثل الفخار الذي عُثر عليه فيها مع الفخار الذ عُثر عليه في معبد باربار، وهكذا يمكن القول باطمئنان أنّ البحث عن الؤلؤ كان معروفاً في البحرين خلال عصور اسومريين والبابليين السحيقة.
    والمعروف أنّه وردت في النصوص المسمارية التي عُثر عليها في أور اشارات إلى استيراد "عين السمكة" من دلمون، وهو تعبير يفسره العلماء بأنّه يعني اللؤلؤ.
    وهذا يذكرنا مرّة أخرى بملحمة جلجاميش...
    ففي النص البابلي لملحمة جلجاميش نرى أنّه بعد أن يصل البطل جلجاميش في بحثه عن الخلود إلى المكان الذي يعيش فيه أوتنابيشتيم- والذي تبين لنا أنّه ديلمون من النص السومري الناقص- وبعد أن يقص عليه أوتنابيشتيم قصة الطوفان يبلغه بأنّ ليس في إمكانه تحقيق الخلود، ولكن باستطاعته أن يجد تعويضاً جزئياً عن بغيته في "زهرة الشباب"، فهذه الزهرة يمكنها أن تجدد الشباب ولكن المشكلة تكمن في صعوبة الحصول عليها. وفي اللوح الثاني عشر والأخير من الملحمة يسر أوتنابيشتيم لجلجاميش بسر زهرة الخلود هذه، فيبلغه أنها موجودة في قاع البحر أو ربما على وجه التحديد في المياه العذبة "الابسو" الذي تحت سطح الماء المالح، وكان على جلجاميش كي يصل إليها أن يربط أحجاراً في قدميه ويغوص إلى قاع البحر حيث يقطف الزهرة السحرية. ثمً يتخلص من الأحجار المربوطة بقدميه فيطفو مرة أخرى إلى السطح.
    هذا النص يثير اهتماماً خاصاً لأنّ الطريقة التي اتبعها جلجاميش للحصول على هذه الزهرة السحرية هي نفس الطريقة التي كان يستخدمها غواصو اللؤلؤ المعاصرون أي بربط الأثقال في أقدامهم، وعلى ذلك فالشكّ يكاد يكون معدوماً في أن يكون المقصود بزهرة الخلود إنما هو اللؤلؤ.
    ومن المثير أن نلاحظ أنّ ثمة تقليداً كان شائعاً في مصر القديمة يعتبر اللؤلؤ اكسيراً للشباب والحياة الدائمة، إذ يقال أنّ الملكة البطلمية كليوبترا كانت تشرب اللؤلؤ مذاباً في النبيذ لتحافظ على ما تتمتع به من شباب وسحر وجاذبية.
    وهكذا يبدو أنّ جلجاميش قد كوفئ في النهاية بما يعوضه عن مغامراته الشاقة ورحلاته المهولة، ففي دلمون أرض الخلود عثر على الزهرة السحرية التي تمد العمر وتجدد الشباب، وإذا كان الخلود نفسه من حق الآلهة ووقفاً عليهم دون غيرهم من بني البشر فإنّ تجديد الشباب يبدو على الأقل أقصى ما يمكن لانسان أن يطمح إليه. ولكن قصة جلجاميش لا تنتهي للأسف بهذه النهاية المنطقية السعيدة. فنرى أنّ جلجاميش بعد أن يفعل كل ما أوصاه به أوتنابيشتيم ويحصل على الزهرة يتردد في أكلها ويقرر أن يستبقيها ويأخذها معه إلى وطنه كي يقتسمها مع كبار أهل مدينته أورك (الوركاء) حتّى يتمتعوا جميعاً بالحياة الشابة المتجددة. ولكنه إذ يغفو إلى جانب غدير ليحصل على شيء من الاحة تخرج الحية من ثغرة في الماء وتأكل زهرة الخلود وبذلك تحرم الإنسان من فرصة الشباب الدائم وتحصل هي عليه، ألسنا نرى الحية تتخلص من جلدها القديم كلّها هرمت وتستبدل به جلداً جديداً وشباباً دائماً؟
    وهذا يذكرنا مرة أخرى بالعهد القديم حين حرمت الحية الجنس البشري من فرصة الخلود والشباب الدائم في جنة عدن. وكانت سبباً في طرد الجنس البشري إلى حيث الشقاء والفناء.
    وهنا تنتهي جلجاميش، والعبرة فيها واضحة: إذا كان الانسان لا يستطيع حتى أن يقاوم مجرد النوم فكيف به يأم أن يقاوم الموت؟
    سلام للقلوب الصادقة

  7. #17
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    + تابع ديلمون :

    ملحمة جلجاميش:

    إنّ قصة الطوفان البابلية هي جزء من ملحمة جلجاميش الشهيرة وقد عُثر على هذه الملحمة في 12 لوحاً وجدت مطمورة في أطلال مكتبة آشور بانيبال في نينوى. وفي عام 1872 حلت رموز أحد هذه الألواح، وهو اللوح رقم 11، فوجد أنّه يحتوي على قصة طوفان عظيم تعرضت له البشرية بأسرارها ونجا منه فرد واحد وعائلته وما أخذه معه من نباتات وحيوانات وأدّى هذا الاكتشاف إلى إثارة اهتمام بالغ في العالم وفي الدوائر الدينية والأكاديمية على وجه الخصوص نظراً للتشابه الكبير بين هذه الأسطورة وقصة الطوفان التي وردت في الكتب المقدسة.
    ولحسن الحظ فإنّ اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجامش كان أحسن الواح الملحمة الاثني عشر حفظاً مما أعطانا تفاصيل كثيرة عن قصة الطوفان كما حكاها أوتنابيشتيم والطريق الذي سلكه جلجامش كي يلتقي به. وتصور الأسطورة جلجاميش ملك اريك (الوركاء) على أنّه حفيد أوتنابيشتيم الناجي من الطوفان، وبعد أن تقص الأسطورة حياة جلجاميش ومغامراته وتصور مدى انزعاجه لوفاة صديقه انكيدو وادراكه أنّ الموت لا محالة طائله هو أيضاً، تحكي لنا القصة أنّ جلجاميش قرر الانطلاق للبحث عن جده اوتنابيشتيم الرجل الوحيد الذي كافأته الآلهة بالخلود جزاء تقواه وانقاذ بذرة البشرية من الطوفان، وذلك على أمل أن يعرف منه سرّ الخلود.
    وفي بداية رحلة البحث عن أوتنابيشتيم يصل جلجامش إلى سفح سلسلة جبلية هي جبال ماشو. وكان يحرس مدخل هذه السلسلة من الجبال "رجل –عقرب" وزوجته. ويحذره الرجل العقرب بأنّ أي انسان حي لم يستطع أن يجتاز هذه الجبال ويقاوم أخطارها، ولكن أمام اصرار جلجاميش على مغامرته يسمح له الحارس بالمرور، ويتبع جلجاميش في رحلته الطريق الذي تسلكه الشمس، وبعد أخطار مخيفة يصل إلى شاطئ بحر الموت، وهناك يجد حارساً آخر في شكل امرأة صاحبة حانة جعة تدعى الربة سيدوري، وتحاول بدورها أن تثنيه عن محاولة عبور بحر الموت، وتخبره أنّ أحداً غير الإله شمس لا يمكنه عبور ذلك النهر، وتنصحه بأن يتمتع بالحياة طالما أنّه لا يزال على قيدها، فالموت مقدّر من الآلهة على البشر ولا يستطيع أحد أن ينجو من هذا المصير، وتقول له ألاّ يحاول البحث عن المستحيل وأن يقنع بأن يملأ معدته بأشهى الطعام وأن يبهج نفسه ليلاً ونهاراً:
    عليك أن تجعل من كل يوم حفلاً للابتهاج
    عليك أن ترقص وتلعب ليلاً ونهاراً
    فلترتدي أجمل الثياب وأنظفها
    فلتغتسل وتستحم في الماء
    ولتبحث عن امرأة تحبها وتحبك
    فتمنحها حمايتك وتجعلها تبتهج تحت جناحك
    فهذا هو الممكن لابناء البشر
    ولكن البطل جلجاميش يرفض أن يأخذ بنصيحة سيدوري حاملة جرة النبيذ، فيتركها ويمضي في طريقه، ولدى الشاطئ يلتقي مع أورشانبي الملاح الذي كان يقود سفينة أوتنابيشتيم ويأمره أن يعبر به مياه الموت، ويحاول أورشانبي بدوره أن ينصحه ويثنيه، ثمّ أمام اصراره يخبره عن الطريقة التي يمكن أن ينجو بها من المياه القاتلة، وهي أن يصنع طوفاً من خشب الأشجار ينقله إلى وجهته في المرحلة الأخيرة من رحلته تلك المحفوفة بالمخاطر والهلاك.
    وما أن يلتقي جلجاميش مع أوتنابيشتيم حتى يطلب منه فوراً أن يبلغه بسر الخلود، وماذا فعل كي ينال هذا الامتياز الفريد، فيشرع الشيخ الطاعن في السن أوتنابيشتيم يقص على مسامع جلجاميش قصة الطوفان، وكيف أنّ الىلهة قررت تدمير البشرية لأنها تصدر ضوضاء مزعجة. ولكن انكي اله المياه الجوفية (الذي راينا صلته بدلمون) يحذر أوتنابيشتيم بما أضمرته الىلهة ويبلغه بأن يبني فلكاً بأوصاف ومقاسات معينة وأن يصطحب معه أسرته وحيواناته، وعلى حين غرّة بدأ الطوفان بالفعل بمياه تسقط من السماء وتنبثق من الأرض، ولمدة ستة ايام وليال هبت العاصفة، وعلا الموج، وفي اليوم السابع أطلق أوتنا بيشتيم حمامة وعصفوراً تباعاً ولكنهما عادا إلى الفلك فعلم أنهما لم يعثرا على ارض صلبة، وبعد ذلك أطلق غراباً فلم يعد، فعلم أنّ الماء قد غاص، ورسى الفلك على قمة جبل نيسير (في شمال كردستان) عندئذ فتح أوتنابيشتيم نوافذ الفلك وقدّم الاضحيات للىلهة، وتدخل انكي لدى انليل كبير الآلهة طالباً منه ألاّ يعاقب كل البشر بخطايا البعض منهم، فلا تذر وازرة وزر أخرى، فوافق انليل على ذلك وتعهد به، ثمّ دخل انليل الفلك ولمس أوتنابيشتيم وزوجته في جبهتهما، وقال:
    منذ الآن سيكون أوتنابيشتيم خالداً
    منذ الآن هو وزوجته سيكونان مثل الآلهة
    ويعيشان هناك بعيداً عند فم الأنهار
    ولا يذكر النص البابلي كما أسلفنا مكان التقاء جلجاميش وأوتنابيشتيم بالتحديد، وهو المكان الذي اتخذ مقراً للرجل الخالد، واكتفى بأن أشار اليه بعبارة "هناك بعيداً عند فم الأنهار". ولكن كان واضحاً لدى العلماء ان هذا النص البابلي لابد أن يكون كغيره من النصوص البابلية والآشورية التي عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال منقولاً عن نص أقدم عهداً لم يكتشف بعد. ومرت أربعون سنة اخرى قبل أن يكتشف هذا النص الاصلي، وعندئذ اتضحت العلاقة الوثيقة بين قصة الطوفان ودلمون.
    ففيما بين عامي 1899 و 1900 كانت بعثة اثرية من جامعة بنسلفانيا الأمريكية تجري تنقيبات في نيبور، وهي من أشهر المراكز الحضارية القديمة بأسفل بلاد ما بين النهرين وكانت في زمن السومريين وعهد سرجون الاكادي فيما بعد مركزاً لعبادة الإله انليل كبير الآلهة أو الأول بين الآلهة وهو بالتحديد الاله الذي دبّر الطوفان ومنح الخلود لأوتنابيشتيم في النهاية، وكشفت التنقيبات عن أول زاقورة مدرجة يعثر عليها في بلاد ما بين النهرين، والمعروف أنّه كان لكل مدينة سومرية زاقورة واحدة فحسب، وعثر بأعلى الزاقورة على معبد صغير، وفي أسفلها على أطلال المعبد الرئيسي لانليل، وبين هذه الأطلال عثر هيليريخت رئيس البعثة وكان حجة في الكتابة السومرية على أرشيف المعبد ويحوي حوالي 35 ألف لوح سومري وهي كمية تفوق ما عثر عليه من موجودات في مكتبة الملك الىشوري آشور بانيبال من القرن السابع قبل الميلاد.
    وكانت معظم هذه الألواح مكتوبة بالقلم السومري الذي سبق الكتابة البابلية السامية في بلاد ما بين النهرين، ويرجع إلى هذا الاكتشاف الفضل في تحسين معرفة العلماء باللغة السومرية. وقد ظلّ العلماء عاكفين على حلّ رموز هذا الكنز من الكتابات المسمارية سنين طويلة، وفي عام 1914 فكت طلاسم أحد الألواح فغذا به يحتوي على جزء من نص قصة الطوفان التي سبقت معرفتها من اللوح البابلي.
    ولكن اللوح كان مطموساً في معظمه للأسف، فلم يكن سليماً منه سوى ثلثه الأسفل وثمّة ثغرات في هذا الثلث أيضاً، غير أنّ ما تبقى من النص كان كافياً كي يوضح أننا بصدد نفس القصة التي قصها أوتنابيشتيم على جلجاميش فيما عدا أنّ الراوي في النص السومري يدعى زيوسودرا، ولحسن الحظ فإنّ الجزء الباقي الواضح من النص يحمل معلومات جديدة في غاية الأهمية، إذ بينما نجد أنّ النص الآشوري البابلي لا يحدد مكان إقامة أوتنابشتيم حيث التقى به جلجاميش نجد أنّ النص السومري يقول:
    وعندئذ زيوسودرا الملك
    الذي حفظ أسماء النباتات وبذرة البشرية
    جعلته الآلهة يعيش
    في أرض دلمون
    أرض العبور
    المكان الذي تشرق منه الشمس
    والعبارتان الأخيرتان اللتان تصفان دلمون بأنّها "أرض العبور" و "المكان الذي تشرق منه الشمس" تستحقان وقفة تأمل، فإنّ تعبير "أرض العبور" غير واضح وهي ترجمة حرفية عن الأصل السومري "كور- بالا" وكلمة "كور" معناها في السومرية "أرض" أو "بلاد"، أمّا كلمة "بالا" فهو اسم فعل مشتق من فعل "يعبر" ويستخدم بصفة خاصة للدلالة على عبور الأنهار، وهذا يذكرنا على الفور بالتعبير الذي ورد في النص البابلي عن مكان اقامة أوتنابيشتيم "هناك بعيداً عند فم الأنهار".
    أمّا تعبير "المكان الذي تشرق منه الشمس" فهو لا يقل غموضاً، وكثيراً ما استخدم -كما يقول جيوفري بيبي- كحجة لنفي أنّ ديلمون هي البحرين، إذ أنّ البحرين تقع إلى الجنوب من نيبور بينما "المكان الذي تشرق من الشمس" لا بدّ بالضرورة أن يكون في اتجاه الشرق. غير أنّ هذه الحجة كما يقول بيبي لا تصمد كثيراً إذا عرفنا أنّ البابليين ومن قبلهم السومريين كانوا يطلقون على الخليج العربي ثلاثة مسميات هي "البحر الأسفل" و "البحر المر" و "بحر الشمس المشرقة"، ومن الطبيعي تماماً بالنسبة لهم أن يسموا أي مكان فيه بالمكان الذي تشرق منه الشمس.
    وباكتشاف هذا النص اكتسبت ديلمون أهمية بالغة لم تكن لها بمقتفى النص الآشوري البابلي إذ أنها اصبحت المكان الذي يعيش فيه خالداً الرجل الذي نجا من الطوفان، وإليها لا بدّ أن يكون قد سعى جلجاميش للقاء هذا الرجل.
    ولكن لماذا جعلت الآلهة زيوسودرا بالسومرية، أو سرخاكيس بالأكاديّة، أو أوتنابيشتيم بالبابلية والىشورية يعيش في دلمون؟ إنّ الفلك لم يرس فيها بالتأكيد بل رسا حسب الاسطورة في الجبال الواقعة إلى الشمال من بلاد ما بين النهرين فما الذي أتى به جنوباً إلى ديلمون؟
    الرد على ذلك واضح وسهل تماماً... إنّ الناجي من الطوفان الممنوح حياة خالدة لا بدّ أن يعيش في أرض الخلود التي لا يعرف فيها موت ولا مرض، أي ديلمون حسب ما عرفنا من أسطورة انكي ونينخورساك.
    سلام للقلوب الصادقة

  8. #18
    كاتب وأديب بالسبلة العمانية

    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    سلطنة عمان
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    21,460
    Mentioned
    38 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    اعزائي :
    هناك الكثير الذي كتب حول مسألة حضارة ديلمون ولكن سنكتفي بهذا القدر من المعلومات والتي نأمل ان تكون ذات منفعة ثقافية حول هذه الحضارة المفقودة .
    سلام للقلوب الصادقة

  9. #19
    إدارة السبلـة العُمانية
    متابع خرائط الطقس وصور الأقمار الإصطناعية وخبير إداري أول بسبلة الطقس والمناخ
    الصورة الرمزية حمد العمري
    تاريخ التسجيل
    Aug 2015
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    15,642
    Mentioned
    31 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    موضوع رائع شكر لك أخي الكريم

  10. #20
    عضو مهم في السبلة الصورة الرمزية نور العيون 2013
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    الدولة
    سلطنة عمان
    المشاركات
    16,363
    Mentioned
    0 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    صباح الخير

    دائما مبدع اخي صدى....

    يعطيك العافية

    غضبك تجاه أي حدث لن يغير أي شيء !
    بل سيغيّر ملاَمحك فقط ، ويجعلك أقل جمالاً
    " اِضحك گلما استطعت / ف ٱلضحِك دواءٌ رخيص


صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م