وعــاد طــائــر الـحـــنـيـن !!
... وشهقتِ حين فتحتِ الباب لتريني واقفا أمامك مبتسما .. إتسعت حدقتا عيناك الجميلتان المتفاجئتان غير مصدقتان أنهما تريان الآن صديقا من زمن الجنون .. وارتبكت الفرحة على وجهك القمحي المشرئب بالحمرة والانفعال .. أما أنا .. فخلف ضلوعي كان يضج الشوق والفرح .. قلت لك بصوت متحمس تعمدت به أن ألغي كل رسميات الاستقبال :
ـــ مشغولة الآن ؟!
أجبت فورا وبحماس :
ـــ كل وقتي لك !!
قلت وأنا أدفع بحقيبة سفري نحو الداخل كإشارة صريحة مني إلى أني سأمضي كل أيامي الثلاثة التي جئتها إلى هنا معك :
ـــ إذن ماذا تنتظرين ؟! هيا بنا ..
تلعثمت ناظرة إلى هندامك البيتي العادي الخالي من الأكمام الذي ترك ذراعاك عاريان بنفس ملاستهما الحريرية التي أحبها .. ثم سمعتك تقولين بارتباك وأنت تدعونني للدخول :
ـــ حسنا .. أدخل .. هل ستقف هاهنا عند الباب ؟! أدخل أهلا بك وانتظرني عشر دقائق بالصالة ريثما أغير ملابسي ..
في خروجنا ؛ شوارع لندن لم تتغير معالمها منذ نيسان الماضي .. آخر زيارة زرتها لها برفقة أختي .. كل ما زاد في الأمر حنين لا يحد وشوق لا يقهر لأحباب وأصحاب يعيشون هنا .. وها إني ألتقي من جديد وعلى نحو فجائي مجنون بأعزهم وأقربهم إلى روحي دائما .. أنت !!
ـــ وماذا بعد يا صديقتي الغالية ؟! لقد رميت بحضنك كل هموم قلبي وكل متاعب حياتي وما مر بي من صدمات وعواصف .. أنا آسف جدا .. لنغير الحديث بحديث آخر أكثر إشراقا وسعادة ..
حين أجبت :
ـــ نعم .. هذا أفضل .. جئت إلى لندن لتغير الجو وترمي وراءك متاعب الأيام .. هلم لنخلق أجواء الفرح ..
حين سمعت كلامك هذا تغيرت نفسية روحي إلى الأفضل ..
على شفتيك طبعت قبلة هادئة لحظية العمر .. وقلت ضاحكة :
ـــ مازلت بنفس جنونك يا سعيد .. يا رجل .. أما من توبة ؟!
قلت وأنا أهز رأسي مستبعدا هذا الشيء :
ـــ لا أظن سيحدث هذا .. أنا آخر المتصوفين !!
في بيتك الذي عدنا إليه بعد جولتنا القصيرة في شوارع وأحياء لندن ، أدرت إسطوانة غنائية لمحبوبتنا الأثيرة فيروز .. بدا صوتها الملائكي يغمر الأجواء :
حبيتك بالصيف
حبيتك بالشتي
نطرتك بالصيف
نطرتك بالشتي
وعيونك الصيف
وعيوني الشتي
ملقانا يا حبيبي
خلف الصيف وخلف الشتي
كنا واقفان على أنغام الأغنية والصوت الفيروزي يدغدغ أعمق ما في أعماقنا من أحاسيس شتى .. واقتربنا .. لا أعرف السر الكامن وراء هذا الاقتراب الجذبي الحتمي الذي يحدث دائما بين خطواتنا مع كل موسيقى هادئة أو أغنية رومانسية ذات نغم خاص نسمعها معا ؟!
و بين صوت فيروز وأحضاننا الواقفة وسط الصالة السيراميكية اللامعة غبت أنا فيك بكل أحاسيسي المتوهجة .. كنا معا في أروع غيمة وجد .. ودوما .. دوما في هذه اللحظات الحميمية المترعة بالهيام نعيد شيئا من ماضينا .. بنفس النبض المحتدم ونفس الأنفاس المتصاعدة من رئتينا والمتمازجة العطر والأشواق ونفس الهمس الحالم الذي نوشوش به وقفتنا .. و .. وتطول الرقصة .. كسفر لازوردي جميل سعيد نتمنى صـدقـاً لو يأخذنا كل العمر إلى أبعد جزر للإحساس .
بقلمي / ســـــعـيد مصــبـح الـغــافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ