بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ...
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الرابع من سورة الكهف ، قال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾
دلالة الفعل ( أعثرنا ) كلمة ( أعثرنا )أساسها عثرنا ، وهذا الفعل له استعمال دقيق :
تقول : عثرت عليه ، وعثرت به ، عثرت عليه بعد بحث طويل ، وعثرت به مصادفة ، أما أعثر هذا فنقل هذا الفعل من صيغة اللازم إلى صيغة المتعدي ، يعني إذا بحثت عن الشيء ، ثم وصلت إليه فقد عثرت عليه ، وإذا وجدته مصادفة فقد عثرت به ، فإذا دللت عليه إلى جهة أخرى فقد أعثرت عليه ، ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الظروف كي يعرف الناس أن في هذه المغارة أناساً مضى على نومهم فيها ثلاثمئة عام ، هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع آخر ، وهو أن الإنسان بحسب العادة لا يألف أن يبقى الإنسان كما هو مدة طويلة ، لكن هذا بحسب العادة ، قد تقول : إنه يبقى الإنسان ثلاثمائة ألف عام دون أن يصيب جسده تلف ، أو فناء ، هذا ممتنع عادةً ، ولكنه ليس ممتنعاً عقلاً ، لأن الله على كل شيء قدير .علاقة السبب بالمسبب علاقة شكلية ولذلك قال علماء التوحيد : علاقة السبب بالمسبب علاقة شكلية ، بمعنى أن الحكم العادي هو شيئان تلازم وجودهما ، وعدمهما ، وليس أحدهما علةً كافية لخلق الآخر .
فمن دون طعام ولا شراب يقي اللهُ الإنسان من التلف ، والفناء ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، ودائماً وأبداً هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، أن الأمور تقع عندها لا بها ، ما معنى عندها لا بها ، الأمر يقع عند وجود الإرادة الإلهية ، لا بالسبب ، والسبب وحده غير كافٍ لحصول النتيجة ، لكن هناك ترافق شكليٌ بين السبب والنتيجة .
من لوازم الشبع تناول الطعام ، تناول الطعام سبب لحدوث الشبع ، وهي علاقة سبب بنتيجة ، لكن الحقيقة في علم التوحيد أن الله عز وجل قادر على أن يخلق حالة الشبع من دون طعام ، والنار تحرق ، هكذا العادة ، ولكن الله عز وجل قادر على إيجاد نار ملتهبة لا تحرق .﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء : 69 )
الصورة الأولى : الإعجاز العددي :لذلك : المعجزة الأولى ، الإعجاز في قوله تعالى : ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾
هذا إعجاز رياضي .الصورة الثانية : التقليب ذات اليمين وذات الشمال :الشيء الثاني : ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾
الصورة الثالثة : حفظ الأجسام ثلاثمئة وتسع سنين :والإعجاز الثالث : هو أن الله عز وجل حفظ هذه الأجسام كما هي عليه ساعة نومها مدة ثلاثمئة عام .
ولذلك لما يسمع الإنسان أن فلانًا بقي في قبره سنوات طويلة دون أن يفنى ، قد يكون صالحاً ، وقد يكون ولياً لله عز وجل ، فليس شرطاً أن تفنى الأجساد بعد الموت ، هكذا العادة ، ولكن هناك استثناءات ، لأن حصول السبب غير كاف لحدوث النتيجة ، لابد من إرادة الله عز وجل ، إذا أراد الله كانت النتيجة بلا سبب .
فهذه القصة دليل على أن في الحياة أشياء ممكنة عقلاً ، وهناك أشياء مستحيلة الوقوع ، وهناك واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾
لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ إذا وعد الله عز وجل عباده بالبعث بعد الموت فهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير .﴿ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ﴾
كأن هناك فريقين ، فريق ليس مؤمناً بهم ، وفريق على ملتهم .﴿ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ﴾
الوعد بالتمكين في الأرض : أغلقوا باب الكهف ، وانتهى الأمر .﴿ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ﴾
هؤلاء الذين على دينهم ، وقد مكنوا في الأرض .
وبالمناسبة ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
( سورة النور : 55 )
التمكين في الأرض ، وعد إلهي محقق الوقوع ، في آية ثانية :﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران : 139 )
هذا كلام رب العالمين ، أنتم الأعلون ، الأعلون في عقيدتكم ، عقيدتكم هي الصحيحة ، أنتم على الحق ، أنتم الأعلون ، بالنسبة لكل من فكر في موضوع ما ، أنتم الذين اعتقدتم الحقيقة الصحيحة التي تؤكدها الوقائع اليومية ، أنتم الأعلون ، أعلون في عقيدتكم ، أعلون في أخلاقكم ، أعلون في مكانتكم ، أعلون في سمعتكم .﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ ﴾
هذا الفريق الذي قال :﴿ ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ﴾
كأنهم ليسوا على ملتهم . ﴿ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾