https://www.gulfupp.com/do.php?img=92989

قائمة المستخدمين المشار إليهم

صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 67

الموضوع: ▅ ▄ ▃ ▂ ▁ سلسلة رجال حول الرسول ..▁ ▂ ▃ ▄ ▅

  1. #31
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    أبو هريرة ( ذاكرة عصر الوحي )

    صحيح إن ذكاء المرء محسوب عليه..
    وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي إن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
    والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..
    فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..
    كان رضي الله عنه يجيد فنّ الإصغاء, وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..
    يسمع فيعي, فيحفظ, ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر, وتعاقبت الأيام..!!
    من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه, وبالتالي أكثرهم رواية لها.

    فلما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤل. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.
    هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من إخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون إن يتسللوا بها إلى الإسلام عن طريقه, وإن يحمّلوه وزرها وإذاها..!!

    والآن.. عندما نسمع واعظا, أو محاضرا, أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".
    أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة, أ, عندما تلقاه كثيرا, وكثيرا جدّا في كتب الحديث, والسيرة والفقه والدين بصفة عامة, فاعلم إنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة إغراء بالصحبة والإصغاء..
    ذلك إن ثروته من الأحاديث الرائعة, والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام, قلّ إن يوجد لها نظير..
    وإنه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة, وهذه الثروة, لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك إلى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, وإلى التحليق بك, إذا كنت وثيق الإيمان مرهف النفس, في تلك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه, تعطي الحياة معناها, وتهدي إليها رشدها ونهاها.
    وإذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ, فدونك الآن وما تريد..
    إنه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الإسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.
    فمن أجير إلى سيّد..
    ومن تائه في الزحام, إلى علم وإمام..!!
    ومن ساجد أمام حجارة مركومة, إلى مؤمن بالله الواحد القهار..
    وهاهو ذا يتحدّث ويقول:
    " نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!
    كنت أخدمهم إذا نزلوا, وأحدو لهم إذا ركبوا..
    وهأنذا وقد زوّجنيها الله, فالحمد لله الذي جعل الدين قواما, وجعل أبا هريرة إماما"..!
    قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر, فأسلم راغبا مشتاقا..
    ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط إلا في ساعات النوم..
    وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم إلى إن ذهب النبي إلى الرفيق الأعلى.
    نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة, ممتلئة بكل صالح من القول, والعمل, والإصغاء.

    أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع إن يخدم به دين الله.
    إن أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..
    والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.
    ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.
    ففي تلك العصور, وكانت الجماعة الإنسانية كلها, لا العرب وحدهم, لا يهتمون بالكتابة, ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..
    بل إن أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.
    وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون, مع إنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..

    نعود إلى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الإسلام إلى من يحفظن تراثه وتعاليمه, كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون, ثم إن بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
    لم يكن أبا هريرة كاتبا, ولكنه كان حافظا, وكان يملك هذا الفراغ, أو هذا الفراغ المنشود, فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!
    وهو إذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا, عزم على إن يعوّض ما فاته, وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..
    ثم إنه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه, وهي ذاكرته الرحبة القوية, والتي زادت مضاء ورحابة وقوة, بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها إن يبارك الله له فيها..
    فلماذا إذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله للأجيال..؟؟
    أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه, وعليه إن يقوم به في غير توان..

    ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون, ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..
    ولم تكن له أرض يزرعها, ولا تجارة تشغله, ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..
    وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..
    فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى, راح أبو هريرة يحدث, مما جعل بعض أصحابه يعجبون: إني له كل هذه الأحاديث, ومتى سمعها ووعاها..
    ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة, وكأنه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:
    " إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..
    وتقولون: إن المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟
    ألا إن أصحابي من المهاجرين, كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق, وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..
    وإني كنت أميرا مسكينا, أكثر مجالسة رسول الله, فأحضر إذا غابوا, وأحفظ إذا نسوا..
    وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إليّ فو الله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..
    وأيم والله, لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا, وهي:
    ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".

    هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
    فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..
    وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية, باركها الرسول فزادت قوة..
    وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في إن يحدّث, بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته, وإلا كان كاتما للخير والحق, وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..
    من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث, لا يصدّه عن الحديث صادّ, ولا يعوقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:
    " لتتركنّ الحديث عن رسول الله,أو لألحقنك بأرض دوس"..
    أي أرض قومه وأهله..
    على إن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة, بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها, تلك هي: إن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا, وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..
    فالقرآن كتاب الله, ودستور الإسلام, وقاموس الدين, وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام, والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..
    من أجل هذا كان عمر يقول:
    " اشتغلوا بالقرآن, فإن القرآن كلام الله"..
    ويقول:
    " أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به"..
    وحين أرسل أبو موسى الأشعري إلى العراق قال له:
    " إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل, فدعهم على ما هم عليه, ولا تشغلهم بالحديث, وإنا شريكك في ذلك"..
    كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة دون إن يتسرب إليه ما ليس منه..
    أما الأحاديث فليس يضمن عمر إن تحرّف أو تزوّر, أو تخذ سبيل للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنيل من الإسلام..
    وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر, ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته, وكان لا يريد إن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد إن كتمانه إثم وبوار.
    وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لإفراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه إلا حدّث وقال..

    على إن هناك سببا هامّا, كان له دور في إثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.
    ذلك إنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف, ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.

    أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلوا مقدرة أبي هريرة على الحفظ, فدعاه إليه وأجلسه معه, وطلب منه إن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في حين أجلس كاتبه وراء حجاب, وأمره إن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
    وبعد مرور عام, دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى, أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها, فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
    وكان يقول عن نفسه:
    " ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني, إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص, فإنه كان يكتب, ولا أكتب"..
    وقال عنه الإمام الشافعي أيضا:
    " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".
    وقال البخاري رضي الله عنه:
    " روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..
    وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين, يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه, وتقوم زوجته ثلثه, وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!
    وفي سبيل إن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..
    وإنه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرا ويعتصر كبده بيديه, ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه إن به صرعا وما هو بمصروع..!
    ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..
    كانت هذه المشكلة أمه: فإنها يومئذ رفضت أن تسلم..
    ليس ذلك وحسب, بل كانت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..
    وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره, فانفضّ عنها باكيا محزونا, وذهب إلى مسجد الرسول..

    ولنصغ إليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:
    ".. فجئت إلى رسول الله وإنا أبكي, فقلت: يا رسول الله, كنت أدعو أم أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى علي, وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله إن يهدي أم أبا هريرة إلى الإسلام..
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..
    فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله, فلما أتيت الباب إذا هو مجاف, أي مغلق, وسمعت خضخضة ماء, ونادتني يا أبا هريرة مكانك..
    ثم لبست درعها, وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد إن لا اله إلا الله, وأِهد إن محمدا عبده ورسوله..
    فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح, كما بكيت من الحزن, وقلت: أبشر يا رسول الله, فقد أجاب الله دعوتك..
    قد هدى أم أبي هريرة إلى الإسلام..
    ثم قلت يا رسول الله: ادع الله إن يحبّبني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات..
    فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه إلى كل مؤمن ومؤمنة"..

    وعاش أبو هريرة عابدا, ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.
    وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين.
    وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.
    إذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين, فيجب إن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل إن يتركها وله ثوب واحد..!!!
    أما إذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء, فإنه يومئذ لا يفلت من حساب عمر, مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!

    دنيا أخرى.. ملاها عمر روعة وإعجازا..!!
    وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا, من مصادره الحلال, وعلم عمر فدعاه إلى المدينة..

    ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:
    " قال لي عمر:
    يا عدو الله وعدو كتابه, أسرقت مال الله..؟؟
    قلت:
    ما إنا بعدو لله ولا عدو لكتابه,.. لكني عدو من عاداهما..
    ولا إنا من يسرق مال الله..!
    قال:
    فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
    قلت:
    خيل لي تناسلت, وعطايا تلاحقت..
    قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين"..!!
    ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال:
    اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..

    وبعد حين دعا عمر أبا هريرة, وعرض عليه الولاية من حديد, فأباها واعتذر عنها..
    قال له عمر: ولماذا؟
    قال أبو هريرة:
    حتى لا يشتم عرضي, ويؤخذ مالي, ويضرب ظهري..
    ثم قال:
    وأخاف إن أقضي بغير علم
    وأقول بغير حلم..

    وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله..
    وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه, كان هو يلحّ على الله قائلا:
    " اللهم إني أحب لقاءك, فأحب لقائي"..
    وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.
    وبين ساكني البقيع الأبرار يتبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..
    وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته, كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.
    ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:
    لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟

    فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:
    لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس, ولما أسلك سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان, وكانت له هرة, يطعمها, ويحملها, وينظفها, ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..
    وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه..

    •   Alt 

       

  2. #32
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    عمرو بن الجموح ( أريد أن أخطر بعرجتي في الجنة )

    إنه صهر عبدالله بن حرام, إذ كان زوجا لأخته هند بن عمرو..
    وكان ابن الجموح واحدا من زعماء المدينة, وسيدا من سادات بني سلمة..
    سبقه إلى الإسلام ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد الأنصار السبعين, أصحاب البيعة الثانية..
    وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوان للإسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء..
    وكان من عادة الناس هناك أن أيتخذ الأشراف من بيوتهم أصناما رمزية غير تلك الأصنام الكبيرة المنصوبة في محافلها, والتي تؤمّها جموع الناس..
    واتفق عمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح سخرية ولعبا..
    فكانا يدلجان عليه ليلا, ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيه فضلاتهم..
    ويصيح عمرو فلا يجد منافاً في مكانه, ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثور ويقول:
    ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة..!؟
    ثم يغسله ويطهره ويطيّبه..
    فإذا جاء ليل جديد, صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.
    حتى إذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق مناف وقال له: إن كان فيك خير فدافع عن نفسك..!!
    فلما أصبح فلم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا, بيد أن هذه المرة لم يكن في حفرته وحيدا, بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.
    وإذا هو في غضبه, وأسفه ودهشه, اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا إلى الإسلام .. وراحوا, وهم يشيرون بأصابعهم إلى الصنم المنكّس المقرون بكلب ميت, يخاطبون في عمرو بن الجموح عقله وقلبه ورشده, محدثينه عن الإله الحق, العلي الأعلى, الذي ليس كمثله شيء.
    وعن محمد الصادق الأمين, الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي, لا ليضل..
    وعن الإسلام , الذي جاء يحرر البشر من الأغلال, جميع الأغلال, وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر في قلوبهم نوره.
    وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره..
    وفي لحظات ذهب فطهر ثوبه, وبدنه.. ثم تطيّب وتأنق, وتألق, وذهب عالي الجبهة مشرق النفس, ليبايع خاتم المرسلين, وليأخذ مكانه مع المؤمنين.

    قد يسأل سائل نفسه, كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح.. وهم زعماء قومهم وأشراف.. كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا الإيمان..؟
    وكيف لم تعصمهم عقولهم عن مثل هذا الهراء.. وكيف نعدّهم اليوم, حتى مع إسلامهم وتضحياتهم, من عظماء الرجال..؟
    ومثل هذا السؤال يبدو إيراده سهلا في أيامنا هذه حيث لا نجد طفلا يسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة ثم يعبدها..
    لكن في أيام خلت, كانت عواطف البشر تتسع لمثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم حيلة تجاه تلك التقاليد..!!
    وحسبنا لهذا مثلا أثينا..
    أثينا في عصر باركليز وفيتاغورس وسقراط..
    أثينا التي كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الألباب, كان أهلها جميعا: فلاسفة, وحكاما, وجماهير يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي في البلاهة والسخرية!!
    ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة, لم يكن يسير في خط مواز للتفوق العقلي...

    أسلم عمرو بن الجموح قلبه, وحياته لله رب العالمين, وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجود والسخاء, فان الإسلام زاد جوده مضاء, فوضع كل ماله في خدمة دينه وإخوانه..
    سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال:
    من سيّدكم يا بني سلمة..؟
    قالوا: الجدّ بن قيس, على بخل فيه..
    فقال عليه الصلاة والسلام:
    وأي داء أدوى من البخل!!
    بل سيّدكم الجعد الأبيض, عمرو بن الجموح..
    فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما لابن الجموح, أي تكريم..!
    وفي هذا قال شاعر الأنصار:
    فسوّد عمرو بن الجموح لجوده وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا
    إذا جاءه الســـــؤال أذهب ماله وقال: خذوه, انه عائــــــد غدا
    وبمثل ما كان عمرو بن الجموح يجود بماله في سبيل الله, أراد أن يجود بروحه وبحياته..
    ولكن كيف السبيل؟؟
    إن في ساقه عرجا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال.
    وانه له أربعة أولاد, كلهم مسلمون, وكلهم رجال كالأسود, كانوا يخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو, ويثابرون على فريضة الجهاد..
    ولقد حاول عمرو أن يخرج في غزوة بدر فتوسّل أبناؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج, يأمره به إذا هو لم يقتنع..
    وفعلا, أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يعفيه من الجهاد كفريضة, وذلك لعجزه الماثل في عرجه الشديد..
    بيد أنه راح يلحّ ويرجو.. فأمره الرسول بالبقاء في المدينة.

    وجاءت غزوة أحد فذهب عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له وقال له:
    " يا رسول الله إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد..
    ووالله إني لأرجو أن, أخطر, بعرجتي هذه في الجنة"..
    وأمام إصراره العظيم إذن له النبي عليه السلام بالخروج, فأخذ سلاحه, وانطلق يخطر في حبور وغبطة, ودعا ربه بصوت ضارع:
    " اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي".
    والتقى الجمعان يوم أحد..
    وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..
    كان عمرو بن الجموح يخطر وسط المعمعة الصاحبة, ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..
    كان يضرب الضربة بيمينه, ثم يلتفت حواليه في الأفق الأعلى, كأنه يتعجل قدوم الملاك الذي سيقبض روحه, ثم يصحبها إلى الجنة..
    أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة, وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب له..
    وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء في الجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول اله صلى الله عليه وسلم, يعرف كيف يختار الأصحاب, وكيف يربّي الرجال..!!

    وجاء ما كان ينتظر.
    ضربة سيف أومضت, معلنة ساعة الزفاف..
    زفاف شهيد مجيد إلى جنات الخلد, وفردوس الرحمن..!!

    وإذ كان المسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلاة والسلام أمره الذي سمعناه من قبل:
    " انظروا, فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فإنهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين"..!!

    ودفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد, تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين, بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة.
    وبعد مضي ست وأربعين سنة على دفنهما, نزل سيل شديد غطّى أرض القبور, بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية, فسارع المسلمون إلى نقل رفات الشهداء, فإذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم:
    " ليّنة أجسادهم..
    تتثنى أطرافهم"..!

    وكان جابر بن عبدالله لا يزال حيا, فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام, ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح..
    فوجدهما في قبرهما, كأنهما نائمان.. لم تأكل الأرض منهما شيئا, ولم تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاء الله..
    أتعجبون..؟
    كلا, لا تعجبوا..
    فان الأرواح الكبيرة, التقية, النقية, التي سيطرت على مصيرها.. تترك في الأجساد التي كانت موئلا لها, قدرا من المناعة يدرأ عنها عوامل التحلل, وسطوة التراب..

  3. #33
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    خبّاب بن الأرتّ ( أستاذ فنّ الفداء )

    خرج نفر من القرشيين, يعدّون الخطى, ميممين شطر دار خبّاب ليتسلموا منه سيوفهم التي تعاقدوا معه على صنعها..
    وقد كان خباب سيّافا, يصنع السيوف ويبيعها لأهل مكة, ويرسل بها إلى الأسواق..
    وعلى غير عادة خبّاب الذي لا يكاد يفارق بيته وعمله, لم يجده ذلك النفر من قريش فجلسوا ينتظرونه..
    وبعد حين طويل جاء خباب على وجهه علامة استفهام مضيئة, وفي عينيه دموع مغتبطة.. وحيّا ضيوفه وجلس..
    وسألوه عجلين: هل أتممت صنع السيوف يا خباب؟؟
    وجفت دموع خباب, وحل مكانها في عينيه سرور متألق, وقال وكأنه يناجي نفسه: إن أمره لعجب..
    وعاد القوم يسألونه: أي أمر يا رجل..؟؟ نسألك عن سيوفنا, هل أتممت صنعها..؟؟
    ويستوعبهم خبّاب بنظراته الشاردة الحالمة ويقول:
    هل رأيتموه..؟ هل سمعتم كلامه..؟
    وينظر بعضهم لبعض في دهشة وعجب..
    ويعود أحدهم فيسأله في خبث:
    هل رأيته أنت يا خبّاب..؟؟
    ويسخر خبّاب من مكر صاحبه, فيردّ عليه السؤال قائلا:
    من تعني..؟
    ويجيب الرجل في غيظ: أعني الذي تعنيه..؟
    ويجيب خبّاب بعد إذ أراهم أنه أبعد منالا من أن يستدرج, وأنه اعترف بإيمانه الآن أمامهم, فليس لأنهم خدعوه عن نفسه, واستدرجوا لسانه, بل لأنه رأى الحق وعانقه, وقرر أن يصدع به ويجهر..

    يجيبهم قائلا, وهو هائم في نشوته وغبطة روحه:
    أجل... رأيته, وسمعته.. رأيت الحق يتفجر من جوانبه, والنور يتلألأ بين ثناياه..!!
    وبدأ عملاؤه القرشيون يفهمون, فصاح به أحدهم:
    من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أمّ أنمار..؟؟
    وأجاب خبّاب في هدوء القديسين:
    ومن سواه, يا أخا العرب.. من سواه في قومك, من يتفجر من جوانبه الحق, ويخرج النور بين ثناياه..؟!
    وصاح آخر وهبّ مذعورا:
    أراك تعني محمدا..
    وهز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة, وقال:
    نعم انه هو رسول الله إلينا, ليخرجنا من الظلمات إلى النور..
    ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد هذه الكلمات, ولا ماذا قيل له..
    كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى زوّاره قد انفضوا.. وجسمه وعظامه تعاني رضوضاَ وآلاما, ودمه النازف يضمّخ ثوبه وجسده..!!

    وحدّقت عيناه الواسعتان فيما حوله.. وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتهما النافذة, فتحمّل على آلامه, ونهض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارها, وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة طويلة تحدّقان في الأفق, وتدوران ذات اليمين وذات الشمال..إنهما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس.. إنهما تبحثان عن البعد المفقود...أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته, وفي حياة الناس الذين معه في مكة, والناس في كل مكان وزمان..
    ترى هل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم, هو النور الذي يهدي إلى ذلك البعد المفقود في حياة البشر كافة..؟؟
    واستغرق خبّاب في تأمّلات سامية, وتفكير عميق.. ثم عاد إلى داخل داره.. عاد يضمّد جراح جسده, ويهيئه لاستقبال تعذيب جديد,
    وآلام جديدة..!!

    ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطهدين..
    أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرهم, وضعفهم يواجهون كبرياء قريش وعنفها وجنونها..
    أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبهم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية عصر الوثنية, والقيصرية.. مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين, الذين سيقفون تحت ظل هذه الراية سواسية مع أولئك الذين استغلوهم من قبل, وأذاقوهم الحرمان والعذاب..
    وفي استبسال عظيم, حمل خبّاب تبعاته كرائد..
    يقول الشعبي:
    " لقد صبر خبّاب, ولم تلن له أيدي الكفار قناة, فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرصف حتى ذهب لحمه"..!!
    أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيرا, ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..
    لقد حوّل كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف.. حولوه كله إلى قيود وسلاسل, كان يحمى عليها في النار حتى تستعر وتتوهج, ثم يطوّق بها جسده ويداه وقدماه..
    ولقد ذهب يوما مع بعض رفاقه المضطهدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا جزعين من التضحية, بل راجين العافية, فقالوا:" يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..؟؟" أي تسأل الله لنا النصر والعافية...

    ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته:
    " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة, فقلنا: يا رسول الله, ألا تستنصر لنا..؟؟
    فجلس صلى الله عليه وسلم, وقد احمرّ وجهه وقال:
    قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل, فيحفر له في الأرض, ثم يجاء بمنشار, فيجعل فوق رأسه, ما يصرفه ذلك عن دينه..!!
    وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى الله عز وجل, والذئب على غنمه, ولكنكم تعجلون"..!!

    سمع خبّاب ورفاقه هذه الكلمات, فازداد إيمانهم وإصرارهم وقرروا أن يري كل منهم ربّه ورسوله
    ما يحبّان من تصميم وصبر, وتضحية.
    وخاض خبّاب معركة الهول صابرا, صامدا, محتسبا.. واستنجد القرشيون أم أنمار سيدة خبّاب التي كان عبدا لها قبل أن تعتقه, فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه..
    وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتهب, وتضعه فوق رأسه ونافوخه, وخبّاب يتلوى من الألم, لكنه يكظم أنفاسه, حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه..!!

    ومرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما, والحديد المحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه, فطار قلبه حنانا وأسى, ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخبّاب..؟؟
    لا شيء إلا أن يثبته ويدعو له..
    هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين إلى السماء, وقال:
    " اللهم انصر خبّابا"..
    ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل, كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغيرها من الجلادين, ذلك أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها كما يقول المؤرخون تعوي مثل الكلاب..!!
    وقيل لها يومئذ لا علاج سوى أن يكوى رأسها بالنار..!!
    وهكذا شهد رأسها العنيد سطوة الحديد المحمّى يصبّحه ويمسّيه..!!

    كانت قريش تقاوم الإيمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خبّاب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء..
    ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه..
    ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة, بل استثمر قدرته على التعليم, فكان يغشى بيوت بعض إخوانه من المؤمنين الذين يكتمون إسلامهم خوفا من بطش قريش, فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم إياه..

    ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة, سورة حتى إن عبدالله بن مسعود, وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل, فليقراه بقراءة ابن أم عبد"..
    نقول: حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة..

    وهو الذي كان يدرّس القرآن لـفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندهم فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الإسلام ورسوله, لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلّم منها خبّاب, حتى صاح صيحته المباركة:
    " دلوني على محمد"...!!

    وسمع خبّاب كلمات عمر هذه, فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح:
    " يا عمر..
    والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم, فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الإسلام بأحبّ الرجلين إليك.. أبي الحكم بن هشام, وعمر بن الخطاب"..
    وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب:
    " عند الصفا, في دار الأرقم بن أبي الأرقم"..
    ومضى عمر إلى حظوظه الوافية, ومصيره العظيم..!!

    شهد خبّاب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم, وعاش عمره كله حفيظا على إيمانه ويقينه....
    وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان, رضي الله عنهما, كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين لسابقين إلى الإسلام..
    وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة, وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة, يذهب فيأخذ من المال حاجته..
    ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن, ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياهم لله, ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين, وتكثر في أيديهم الأموال.
    اسمعوه وهو يتحدث إلى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته.
    قالوا له:
    أبشر يا أبا عبدالله, فانك ملاق إخوانك غدا..
    فأجابهم وهو يبكي:
    " أما انه ليس بي جزع .. ولكنكم ذكّرتموني أقواما, وإخوانا, مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا..
    وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا إلا التراب"..
    وأشار إلى داره المتواضعة التي بناها.
    ثم أشار مرة أخرى إلى المكان الذي فيه أمواله وقال:
    " والله ما شددت عليها من خيط, ولا منعتها من سائل"..!
    ثم التفت إلى كنفه الذي كان قد أعدّ له, وكان يراه ترفا وإسرافا وقال ودموعه تسيل:
    " أنظروا هذا كفني..
    لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء.... إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه, وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"..!!

    ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة..
    مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية..
    وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الإسلام..!!

    مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم, ويحييهم, عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما, وللفقراء من أمثال :خبّاب, وصهيب, وبلال يوما آخر.
    فإذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم, وتهل آياته قائلة للرسول الكريم:
    ( وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ {52} الأنعام)..

    وهكذا, لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في إكرامهم فيفرش لهم رداءه, ويربّت على أكتافهم, ويقول لهم:
    " أهلا بمن أوصاني بهم ربي"..
    أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي, وجيل التضحية...

    ولعل خير ما نودّعه به, كلمات الإمام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين, فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب, فسأل: قبر من هذا..؟
    فأجابوه: انه قبر خبّاب..
    فتملاه خاشعا آسيا, وقال:
    رحم الله خبّابا..
    لقد أسلم راغبا.
    وهاجر طائعا..
    وعاش مجاهدا..

  4. #34
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    أسيد بن خضير ( بطل يوم السقيفة )

    ورث المكارم كابرا عن كابر..
    فأبوه خضير الكتائب كان زعيم الأوس, وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية, ومقاتليهم الأشداء..
    وفيه يقول الشاعر:
    لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة لهبن خضيرا يوم غلّق واقما
    يطوف به, حتى إذا الليل جنّــــه تبوأ منـــــــه مقعدا متناغما

    وورث أسيد عن أبيه مكانته, وشجاعته وجوده, فكان قبل أن يسلم, واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب, ورماتها الأفذاذ..
    فلما اصطفاه الإسلام, وهدي إلى صراط العزيز الحميد, تناهى عزه.
    وتسامى شرفه, يوم أخذ مكانه, وأخذ واحدا من أنصار الله وأنصار رسوله, ومن السابقين إلى الإسلام العظيم..

    ولقد كان إسلامه يوم أسلم سريعا, وحاسما وشريفا..
    فعندما أرسل الرسول عليه السلام مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبي عليه السلام عل الإسلام بيعة العقبة الأولى, وليدعو غيرهم إلى دين الله.
    يومئذ, جلس أسيد بن خضير, وسعد بن معاذ, وكانا زعيمي قومهما, يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسفّه دينهما, ويدعو إلى دين جديد لا يعرفونه..
    وقال سعد لأسيد:" انطلق إلى هذا الرجل فازجره"..
    وحمل أسيد حربته, وأغذ السير إلى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام.
    وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها إلى الله, مصعب بن عمير..
    وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته..
    وقال له مصعب:
    " هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته, وإن كرهته, كففنا عنك ما تكره"..؟؟

    كان أسيد رجلا.. وكان مستنير العقل ذكيّ القلب حتى لقبه أهل المدينة بالكامل.. وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله..
    فلما رأى مصعبا يحتكم به إلى المنطق والعقل, غرس حربته في الأرض, وقال لمصعب:
    لقد أنصفت: هات ما عندك..
    وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن, ويفسّر له دعوة الدين الجديد. الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته.
    ويقول الذين حضروا هذا المجلس:
    " والله لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم..
    عرفناه في إشراقه وتسهّله"..!!

    لم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد مبهورا:
    " ما أحسن هذا الكلام وأجمله..
    كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟
    قال له مصعب:
    " تطهر بدنك, وثوبك, وتشهد شهادة الحق, ثم تصلي"..
    إن شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة, وهي إذ تعرف طريقها , لا تتردد لحظة أمام إرادتها الحازمة..
    ومن ثمّ, قام أسيد في غير إرجاء ولا إبطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه, وأشرقت به روحه, فاغتسل وتطهر, ثم سجد لله رب العالمين, معلنا إسلامه, مودّعا أيام وثنيّته, وجاهليته..!!
    كان على أسيد أن يعود لسعد بن معاذ, لينقل إليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير وإخراجه..
    وعاد إلى سعد..
    وما كاد يقترب من مجلسه, حتى قال سعد لمن حوله:
    " أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!!
    أجل..
    لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة, والغضب والتحدي..
    وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور..!!

    وقرر أسيد أن يستخدم ذكاءه قليلا..
    إنه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه, وسلامة تفكيره وتقديره..
    ويعلم أنه ليس بينه وبين الإسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله, الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول إليهم مصعب بن عمير..
    لكنه لو قال لسعد: إني أسلمت, فقم وأسلم, لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة..
    إذن فعليه أن يثير حميّة سعد بطريقة تدفعه إلى مجلس مصعب حتى يسمع ويرى..
    فكيف السبيل لهذا..؟
    كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة..
    وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ..
    هنالك قال أسيد لسعد:
    " لقد حدّثت أن بين الحارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وهم يعلمون أنه ابن خالتك"..
    وقام سعد, تقوده الحميّة والغضب, وأخذ الحربة, وسار مسرعا إلى حيث أسعد ومصعب, ومن معهما من المسلمين..
    ولما اقترب من المجلس لو يجد ضوضاء ولا لغطا, وإنما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير, يتلو آيات الله في خشوع, وهم يصغون إليه في اهتمام عظيم..
    هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي إلى هذا المجلس, وإلقاء السمع لما يقوله سفير الإسلام مصعب بن عمير.
    ولقد صدقت فراسة أسيد في صاحبه, فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للإسلام, وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين..!!

    كان أسيد يحمل في قلبه إيمانا وثيقا ومضيئا..
    وكان إيمانه بفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما..
    وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبيّ فقال لمن حوله من أهل المدينة:
    " لقد أحللتمومهم بلادكم, وقاسمتموهم أموالكم..
    أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير دياركم..
    أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل"..
    سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات, بل هذه السموم المنافقة المسعورة, فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا, وقابله أسيد فقال له النبي عليه السلام:
    أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟
    قال أسيد:
    وأيّ صاحب يا رسول الله..؟؟
    قال الرسول:
    عبدالله بن أبيّ!!
    قال أسيد:
    وماذا قال..؟؟
    قال الرسول:
    زعم انه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل.
    قال أسيد:
    فأنت والله, يا رسول الله, تخرجه منها إن شاء الله.. هو والله الذليل, وأنت العزيز..
    ثم قال أسيد:
    " يا رسول الله أرفق به, فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه على المدينة ملكا, فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكا"..
    بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح, كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة..

    وفي يوم السقيفة, اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار, وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة, وطال الحوار, واحتدمت المناقشة, كان موقف أسيد, وهو كما عرفنا زعيم أنصاري كبير, كان موقفه فعالا في حسم الموقف, وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاه..
    وقف أسيد فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه:
    " تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين..
    فخليفته إذن ينبغي أن يكون من المهاجرين..
    ولقد كنا أنصار رسول الله..
    وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته"..
    وكانت كلماته, بردا, وسلاما..

    ولقد عاش أسيد بن خضير رضي الله عنه عابدا, قانتا, باذلا روحه وماله في سبيل الخير, جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه:
    " اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض"..
    ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصدّيق حبّه, كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر, وفي أفئدة الصحابة جميعا.
    وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن إحدى المغانم الكبرى التي يحرص الأصحاب عليها..
    ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..
    وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة, مات أسيد..
    وأبى أمير المؤمنين عمر إلا أن يحمل نعشه فوق كتفه..
    وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم..
    وعادوا إلى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه:
    " نعم الرحل.. أسيد بن خضير"..

  5. #35
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    سهيل بن عمرو ( من الطلقاء إلى الشهداء )

    عندما وقع أسيرا بأيدي المسلمين في غزوة بدر اقترب عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
    " يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم"..
    فأجابه الرسول العظيم:
    " كلا يا عمر..
    لا أمثل بأحد, فيمثل الله بي, وان كنت نبيا"..!
    ثم أدنى عمر منه وقال عليه السلام:
    " يا عمر..
    لعل سهيلا غدا يقف موقفا يسرّك"..!!

    ودارت نبوءة الرسول..
    وتحوّل أعظم خطباء قريش سهيل بن عمرو إلى خطيب باهر من خطباء الإسلام..
    وتحوّل المشرك اللدود.. إلى مؤمن أوّاب, لا تكف عيناه من البكاء من خشية الله..!!
    وتحوّل واحد من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها إلى مقاتل صلب في سبيل الإسلام.. مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد حتى يدركه الموت على ذلك, عسى الله أن يغفر ما تقدم من ذنبه..!!
    فمن كان ذلك المشرك العنيد, والمؤمن التقي الشهيد..؟؟

    إنه سهيل بن عمرو..
    واحد من زعماء قريش المبرّرين, ومن حكمائها وذوي الفطنة والرأي فيها..
    وهو الذي انتدبته قريش ليقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الحديبية..
    ففي أخريات العام الهجري السادس خرج الرسول وأصحابه إلى مكة ليزوروا البيت الحرام, وليؤدوا عمرة, لا يريدون حربا, وليسوا مستعدين لقتال..
    وعلمت قريش بمسيرهم إلى مكة, فخرجت لتقطع عليهم الطريق, وتصدّهم عن وجهتهم..
    وتأزم الموقف, وتوترت الأنفس..
    وقال الرسول لأصحابه:
    " لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها"..
    وراحت قريش ترسل رسلها ومندوبيها إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فيخبرهم جميعا أنه لم يأت لقتال, إنما جاء يزور البيت الحرام, ويعظم حرماته:
    وكلما عاد إلى قريش أحد مندوبيها, أرسلوا من بعده آخر أقوى شكيمة, وأشد إقناعا حتى اختاروا عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواهم وأفطنهم.. وظنت قريش أن عروة قادر على إقناع الرسول بالعودة.
    ولكنه سرعان ما رجع إليهم يقول لهم:
    " يا معشر قريش..
    إني قد جئت كسرى في ملكه, وقيصر في ملكه, والنجاشي في ملكه..
    واني والله ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه, كما يعظم أصحاب محمد محمدا..!!
    ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا..
    فانظروا رأيكم"..!!

    عندئذ آمنت قريش أنه لا جدوى من محاولاتها وقررت أن تلجأ إلى المفاوضة والصلح.. واختارت لهذه المهمة أصلح زعمائها لها.. وكان سهيل بن عمرو..
    رأى المسلمون سهيلا وهو مقبل عليهم فعرفوه, وأدركوا أن قريشا آثرت طريق التفاهم والمصالحة, ما دامت قد بعثت آخر الأمر سهيلا..
    وجلس سهيل بين يدي الرسول, ودار حوار طويل انتهى بالصلح..
    وحاول سهيل أن يكسب لقريش الكثير.. وساعده على ذلك, التسامح النبيل والمجيد الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح..
    ومضت الأيام, ينادي بعضها بعضا, حتى جاءت السنة الثامنة من الهجرة.. وخرج الرسول والمسلمون لفتح مكة بعد أن نفضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول الله.
    وعاد المهاجرون إلى وطنهم الذين أخرجهم بالأمس كارهين..
    عادوا, ومعهم الأنصار الذين آووهم في مدينتهم وآثروهم على أنفسهم..
    وعاد الإسلام كله, تخفق في جو السماء راياته الظافرة..
    وفتحت مكة جميع أبوابها..
    ووقف المشركون في ذهول.. ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم, وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلا, وحرقا, وتعذيبا, وتجويعا..؟!
    ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويلا تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة.
    فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة, وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا:
    " يا معشر قريش..
    ما تظنون أني فاعل بكم"..؟؟
    هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال مجيبا:
    " نظن خيرا, أخ كريم, وابن أخ كريم".
    وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:
    " اذهبوا...
    فأنتم الطلقاء"..!!
    لم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع إنسانا حيّ المشاعر إلا أحالته ذوبا من طاعة وخجل, بل وندم..
    وفي نفس اللحظة استجاش هذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة, كل مشاعر سهيل بن عمرو فأسلم لله رب العالمين.
    ولم يكن إسلامه ساعتئذ, إسلام رجل منهزم مستسلم للمقادير.
    بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد إسلام رجل بهرته وأسرته عظمة محمد وعظمة الدين الذي يتصرّف محمد وفق تعاليمه, ويحمل في ولاء هائل رايته ولواءه..!!

    أطلق على الذين أسلموا يوم الفتح اسم الطلقاء.. أي الذين نقلهم عفو الرسول من الشرك إلى الإسلام حين قال لهم:
    " اذهبوا فأنتم الطلقاء"
    بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا هذا الخط بإخلاصهم الوثيق, وسموا إلى آفاق بعيدة من التضحية والعبادة والطهر, وضعتهم في الصفوف الأولى بين أصحاب النبي الأبرار ومن هؤلاء سهيل بن عمرو.

    لقد صاغه الإسلام من جديد.
    وصقل كل مواهبه الأولى, وأضاف إليها, ثم وضعها جميعا في خدمة الحق, والخير, والإيمان..
    ولقد نعتوه في كلمات فقالوا:
    " السّمح, الجواد..
    كثير الصلاة, والصوم, والصدقة, وقراءة القرآن, والبكاء من خشية الله"..!!
    وتلك هي عظمة سهيل.
    فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح, لا قبله, نراه يصدق في إسلامه وفي يقينه, إلى مدى الذي يتفوّق فيه على كل نفسه, ويتحوّل إلى عابد, زاهد والى فدائي مجاهد في سبيل الله والإسلام.
    ولما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, لم يكد النبأ يبلغ مكة, وكان سهيل يومئذ مقيما بها, حتى غشي المسلمين هناك من الهرج والذهول ما غشي المسلمين بالمدينة.
    وإذا كان ذهول المدينة, قد بدّده أبو بكر رضي الله عنه ساعتئذ بكلماته الحاسمة:
    " من كان يعبد محمد, فان محمدا قد مات..
    ومن كان يعبد الله, فان الله حيّ لا يموت"..

    فسيأخذنا العجب حين نرى سهيلا رضي الله عنه هو الذي وقف بمكة, نفس موقف أبي بكر بالمدينة.
    فقد جمع المسلمين كلهم هناك, ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة, يخبرهم أن محمدا كان رسول الله حقا.. وأنه لم يمت حتى أدّى الأمانة, وبلّغ الرسالة. وأنه واجب المؤمنين به أن يمعنوا من بعده السير على منهجه.
    وبموقف سهيل هذا, وبكلماته الرشيدة وإيمانه الوثيق, درأ الفتنة التي كادت تقلع إيمان بعض الناس بمكة حين بلغهم نبأ وفاة الرسول..!!
    وفي هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ألم يكن لعمر يوم استأذنه في نزع ثنيتي سهيل أثناء أسره ببدر:
    " دعها فلعلها تسرك يوما"..؟!
    ففي هذا اليوم.. وحين بلغ المسلمين بالمدينة موقف سهيل بمكة وخطابه الباهر الذي ثبت الإيمان في الأفئدة, تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول.. وضحك طويلا, إذ جاء اليوم الذي انتفع فيه الإسلام بثنيتي سهيل اللتين كان عمر يريد تهشيمهما واقتلاعهما..!!

    عندما أسلم سهيل يوم الفتح.
    وبعد أن ذاق حلاوة الإيمان, أخذ على نفسه عهدا لخصه في هذه الكلمات:
    " والله لا أدع موقفا من المشركين, إلا وقفت مع المسلمين مثله... ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت مع المسلمين مثلها, لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا"..!!
    ولقد وقف مع المشركين طويلا أمام أصنامهم..
    فليقف الآن طويلا وطويلا مع المؤمنين بين يدي الله الواحد الأحد.
    وهكذا راح يصلي.. ويصلي..
    ويصوم.. ويصوم..
    ولا يدع عبادة تجلو روحه, وتقربه من ربه الأعلى إلا أخذ منها حظا وافيا..
    وكذلك كان في أمسه يقف مع المشركين في مواطن العدوان والحرب ضد الإسلام.
    فليأخذ الآن مكانه في جيش الإسلام, مقاتلا شجاعا, يطفئ مع كتائب الحق نار فارس التي يعبدونها من دون الله, ويحرقون فيها مصاير الشعوب التي يستعبدونها. ويدمدم مع كتائب الحق أيضا على ظلمات الرومان وظلمهم..
    وينشر كلمة التوحيد والتقوى في كل مكان.

    وهكذا خرج إلى الشام مع جيوش المسلمين, مشاركا في حروبها.
    ويوم اليرموك حيث خاض المسلمون موقعة تناهت في الضراوة والعنف والمخاطرة..
    كان سهيل بن عمرو يكاد يطير من الفرح, إذ وجد هذه الفرصة الدسمة لكي يبذل من ذات نفسه في هذا اليوم العصيب ما يمحق به خطايا جاهليته وشركه..

    وكان يحب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه..
    ومع ذلك, فقد أبى أن يرجع إليها بعد انتصار المسلمين بالشام وقال:
    " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة, خير له من عمله طوال عمره..
    واني لمرابط في سبيل الله حتى أموت, ولن أرجع إلى مكة"..!!

    ووفى سهيل عهده..
    وظل بقيّة حياته مرابطا, حتى جاء موعد رحيله, فطارت روحه مسرعة إلى رحمة من الله ورضوان..

  6. #36
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    عبد الله بن عمر ( المثابر, الأوّاب )

    تحدّث وهو على قمة عمره الطويل فقال:
    "لقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    فما نكثت ولا بدّلت إلى يومي هذا..
    وما بايعت صاحب فتنة..
    ولا أيقظت مؤمنا من مرقده"..
    وفي هذه الكلمات تلخيص لحياة الرجل الصالح الذي عاش فوق الثمانين, والذي بدأت علاقته بالإسلام والرسول, وهو في الثالثة عشر من العمر, حين صحب أباه في غزوة بدر, راجيا أن يكون له بين المجاهدين مكان, لولا أن ردّه الرسول عليه السلام لصغر سنه..
    من ذلك اليوم.. بل وقبل ذلك اليوم حين صحب أباه في هجرته إلى المدينة.. بدأت صلة الغلام ذي الرجولة المبكرة بالرسول عليه السلام والإسلام..

    ومن ذلك اليوم إلى اليوم الذي يلقى فيه ربه, بالغا من العمر خمسة وثمانين عاما, سنجد فيه حيثما نلقاه, المثابر الأوّاب الذي لا ينحرف عن نهجه قيد أشعرة, ولا يند عن بيعة بايعها, ولا يخيس بعهد أعطاه..
    وان المزايا التي تأخذ الأبصار إلى عبدالله بن عمر لكثيرة.
    فعلمه وتواضعه, واستقامة ضميره ونهجه, وجوده, وورعه, ومثابرته, على العبادة وصدق استمساكه بالقدوة..
    كل هذه الفضائل والخصال, صاغ ابن عمر عمره منها, وشخصيته الفذة, وحياته الطاهرة الصادقة..
    لقد تعلم من أبيه عمر بن الخطاب خيرا كثيرا.. وتعلم مع أبيه من رسول الله الخير كله والعظمة كلها..
    لقد أحسن كأبيه الإيمان بالله ورسوله.. ومن ثم, كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر الألباب..
    فهو ينظر, ماذا كان الرسول يفعل في كل أمر, فيحاكيه في دقة وإخبات..
    هنا مثلا, كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي.. فيصلي ابن عمر في ذات المكان..
    وهنا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو قائما, فيدعو ابن عمر قائما...
    وهنا كان الرسول يدعو جالسا, فيدعو عبدالله جالسا..
    وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول يوما من فوق ظهر ناقته, وصلى ركعتين, فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..

    بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة, قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها, ويصلي ركعتين, وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها.
    لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوما حتى يدور بناقته, ثم ينيخها, ثم يصلي ركعتين للله.. تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله..

    ولقد أثار فرط إتباعه هذا, أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت:
    "ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله, كما كان يتبعه ابن عمر".
    ولقد قضى عمره الطويل المبارك على هذا الولاء الوثيق, حتى لقد جاء على المسلمين زمان كان صالحهم يدعو ويقول:
    "اللهم أبق عبدالله بن عمر ما أبقيتني, كي أقتدي به, فاني لا أعلم أحد على الأمر الأول غيره".

    وبقوة هذا التحري الشديد لخطى الرسول وسنته, كان ابن عمر يتهيّب الحديث عن رسول الله ولا يروي عنه عليه السلام حديثا إلا إذا كان ذاكرا كل حروفه, حرفا.. حرفا.
    وقد قال معاصروه..
    "لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه, من عبدالله بن عمر"..!!

    وكذلك كان شديد الحذر والتحوّط في الفتيا..
    جاءه يوما رجل يستفتيه, فلما ألقى على ابن عمر سؤاله أجابه قائلا:
    " لا علم لي بما تسأل عنه"
    وذهب الرجل في سبيله, ولا يكاد يبتعد عن ابن عمر خطوات حتى يفرك ابن عمر كفه جذلان فرحا ويقول لنفسه:
    "سئل ابن عمر عما لا يعلم, فقال لا أعلم"..!
    كان يخاف أن يجتهد في فتياه, فيخطئ في اجتهاده, وعلى الرغم من أنه يحيا وفق تعاليم الدين العظيم, للمخطئ أجر وللمصيب أجرين, فان ورعه أن يسلبه ورعه كان يسلبه الجسارة على الفتيا.
    وكذلك كان ينأى به عن مناصب القضاة..
    لقد كانت وظيفة القضاء من أرقع مناصب الدولة والمجتمع, وكانت تضمن لشاغرها ثراء, وجاها, ومجدا..
    ولكن ما حاجة ابن عمر الورع للثراء, وللجاه, وللمجد..؟!

    دعاه يوما الخليفة عثمان رضي الله عنهما, وطلب إليه أن يشغل منصب القضاة, فاعتذر.. وألح عليه عثمان, فثابر على اعتذاره..
    وسأله عثمان: أتعصيني؟؟
    فأجاب ابن عمر:
    " كلا.. ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة..
    قاض يقضي بجهل, فهو في النار..
    وقاض يقضي بهوى, فهو في النار..
    وقاض يجتهد ويصيب, فهو كفاف, لا وزر, ولا أجر..
    واني لسائلك بالله أن تعفيني"..
    وأعفاه عثمان, بعد أن أخذ عليه العهد ألا يخبر أحدا بهذا.
    ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر في أفئدة الناس, وانه ليخشى إذا عرف الأتقياء الصالحون عزوفه عن القضاء أن يتابعوا وينهجوا نهجه, وعندئذ لا يجد الخليفة تقيا يعمل قاضيا..

    وقد يبدو هذا الموقف لعبد الله بن عمر سمة من سمات السلبية.
    بيد أنه ليس كذلك, فعبد الله بن عمر لم يمتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه.. بل هناك كثيرون من أصحاب رسول الله الورعين الصالحين, وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل..
    ولم يكن في تخلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء, ولا إلقاء بها بين أيدي الذين لا يصلحون لها.. ومن ثمّ قد آثر البقاء مع نفسه, ينمّيها ويزكيها بالمزيد من الطاعة, والمزيد من العبادة..

    كما أنه في ذلك الحين من حياة الإسلام, كانت الدنيا قد فتحت على المسلمين وفاضت الأموال, وكثرت المناصب والإمارات.
    وشرع إغراء المال والمناصب يقترب من بعض القلوب المؤمنة, مما جعل بعض أصحاب الرسول, ومنهم ابن عمر, يرفعون راية المقاومة لهذا الإغراء باتخاذهم من أنفسهم قدوة ومثلا في الزهد والورع والعزوف عن المناصب الكبيرة, وقهر فتنتها وإغرائها...

    لقد كان ابن عمر,أخا الليل, يقومه مصليا.. وصديق السحر يقطعه مستغفرا وباكيا..
    ولقد رأى في شبابه رؤيا, فسرها الرسول تفسيرا جعل قيام الليل منتهى آمال عبدالله, ومناط غبطته وحبوره..

    ولنصغ إليه يحدثنا عن نبأ رؤياه:
    "رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة إستبرق, وكأنني لا أريد مكانا في الجنة إلا طارت بي إليه..
    ورأيت كأن اثنين أتياني, وأرادا أن يذهبا بي إلى النار, فتلقاهما ملك فقال: لا ترع, فخليّا عني..
    فقصت حفصة - أختي- على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبدالله, لو كان يصلي من الليل فيكثر"..
    ومن ذلك اليوم والى أن لقي ربه, لم يدع قيام الليل في حله, ولا في ترحاله..
    فكان يصلي ويتلو القرآن, ويذكر ربه كثيرا.. وكان كأبيه, تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن.

    يقول عبيد بن عمير: قرأت يوما على عبدالله بن عمر هذه الآية:
    (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42))..(النساء)
    فجعل ابن عمر يبكي حتى نديت لحيته من دموعه.
    وجلس يوما بين إخوانه فقرا:
    (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6))..( المطففين )
    ثم مضى يردد الآية:
    ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(6)).( المطففين )
    ودموعه تسيل كالمطر. حتى وقع من كثرة وجده وبكائه..!!

    ولقد كان جوده, وزهده, وورعه, تعمل معا في فن عظيم, لتشكل أروع فضائل هذا الإنسان العظيم.. فهو يعطي الكثير لأنه جواد..
    ويعطي الحلال الطيب لأنه ورع..
    ولا يبالي أن يتركه الجود فقيرا, لأنه زاهد..!!

    وكان ابن عمر رضي الله عنه, من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة, إذ كان تاجرا أمينا ناجحا شطر حياته, وكان راتبه من بيت المال وفيرا.. ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط, إنما كان يرسله غدقا على الفقراء, والمساكين والسائلين..
    يحدثنا أيوب بن وائل الراسبي عن أحد مكرماته, فيخبرنا أن ابن عمر جاءه يوما بأربعة آلاف درهم وقطيفة..
    وفي اليوم التالي, رآه أيوب بن وائل في السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة – أي دينا- ..
    فذهب ابن وائل إلى أهل بيته وسألهم أليس قد أتى لأبي عبد الرحمن – يعني ابن عمر – بالأمس أربعة آلاف وقطيفة..؟
    قالوا: بلى..
    قال: فاني قد رأيته اليوم بالسوق يشتر علفا لراحلته ولا يجد معه ثمنه..
    قالوا: انه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعها, ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره, خرج.. ثم عاد وليست معه, فسألناه عنها. فقال: انه وهبها لفقير..!!
    فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف. حتى أتى السوق فتوقف مكانا عاليا, وصاح في الناس:
    " يا معشر التجار..
    ما تصنعون بالدنيا, وهذا بن عمر تأتيه ألف درهم فيوزعها, ثم يصبح فيستدين علفا لراحلته"..؟؟!!

    ألا إن من كان محمد أستاذه, وعمر أباه, لعظيم, كفء لكل عظيم..!!
    إن وجود عبد الله بن عمر, وزهده وورعه, هذه الخصال الثلاثة, كانت تحكي لدى عبد الله صدق القدوة.. وصدق البنوّة..
    فما كان لمن يمعن في التأسي برسول الله, حتى انه ليقف بناقته حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يوقف ناقته. ويقول" لعل خفا يقع على خف".!
    والذي يذهب برأيه في بر أبيه وتوقيره والإعجاب به إلى المدى الذي كانت شخصية عمر تفرضه على الأعداء, فضلا عن الأقرباء. فضلا عن الأبناء..
    أقول ما ينبغي لمن ينتمي لهذا الرسول, ولهذا الوالد أن يصبح للمال عبدا..
    ولقد كانت الأموال تأتيه وافرة كثيرة.. ولكنها تمر به مرورا.. وتعبر داره عبورا..
    ولم يكن جوده سبيلا إلى الزهو, وإلا إلى حسن الأحدوثة.
    ومن ثم. فقد كان يخص به المحتاجين والفقراء.. وقلما كان يأكل الطعام وحده.. فلا بد أن يكون معه أيتام, أو فقراء.. وطالما كان يعاتب بعض أبنائه, حين يولمون للأغنياء, ولا يأتون معهم بالفقراء, ويقول لهم:

    "تدعون الشباع. وتدعون الجياع"..!!

    وعرف الفقراء عطفه, وذاقوا حلاوة بره وحنانه, فكانوا يجلسون في طريقه, كي يصحبهم إلى داره حين يراهم.. وكانوا يحفون به كما تحف أفواج النحل بالأزاهير ترتشف منها الرحيق..!

    لقد كان المال بين يديه خادما لا سيدا,,
    وكان وسيلة لضرورات العيش لا للترف..
    ولم يكن ماله وحده, بل كان للفقراء فيه حق معلوم, بل حق متكافئ لا يتميز فيه بنصيب..
    ولقد أعانه على هذا الجود الواسع زهده.. فما كان ابن عمر يتهالك على الدنيا, ولا يسعى إليها, بل ولا يرجو منها إلا ما كان يستر الجسد من لباس, ويقيم الأود من الطعام..

    أهداه أحد اخوانه القادمين من خراسان حلة ناعمة أنيقة, وقال له:
    لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان, وانه لتقر عيناي, إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه, وترتدي هذا الثوب الجميل..
    قال له ابن عمر: أرنيه إذن..
    ثم لمسه وقال: أحرير هذا.؟

    قال صاحبه: لا .. انه قطن.
    وتملاه عبد الله قليلا, ثم دفعه بيمينه وهو يقول:"لا.اني أخاف على نفسي.. أخاف إن يجعلني مختالا فخورا.. والله لا يحب كل مختال فخور"..!!

    وأهداه يوما صديقا وعاء مملوءا..
    وسأله ابن عمر: ما هذا؟
    قال: هذا دواء عظيم جئتك به من العراق.
    قال ابن عمر: وماذا يطبب هذا الدواء..؟؟
    قال: يهضم الطعام..
    فالتفت ابن عمر وقال لصاحبه:" يهضم الطعام..؟ إني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما".!!

    إن هذا الذي لم يشبع من الطعام منذ أربعين عاما, لم يكن يترك الشبع خصاصة, بل زهدا وورعا, ومحاولة للتأسي برسوله وأبيه..
    كان يخاف أن يقال له يوم القيامة:
    (أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)..

    وكان يدرك انه في الدنيا ضيف أو عابر شبيل..
    ولقد تحدث عن نفسه قائلا:
    "ما وضعت لبنة على لبنة, ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
    ويقول ميمون بن مهران:
    " دخلت على ابن عمر, فقوّمت كل شيء في بيته من فراش, ولحاف وبساط. ومن كل شيء فيه, فما وجدته تساوي مئة ردهم"..!!
    لم يكن ذلك عن فقر فقد كان ابن عمر ثريا..
    ولا كان ذلك عن بخل فقد كان جوّدا سخيا..
    بل كان عن زهد في الدنيا, وازدراء للترف, والتزام لمنهجه في الصدق والورع..
    ولقد عمّر ابن عمر طويلا, وعاش في العصر الأموي الذي فاضت فيها لأموال وانتشرت الضياع, وغطى البذخ أكث الدور.. بل قل أكثر القصور..
    ومع هذا, بقي ذلك الطود الجليل شامخا ثابتا, لا يبرح نهجه ولا يتخلى عن ورعه وزهده.
    وإذا ذكّر بحظوظ الدنيا ومتاعها التي يهرب منها قال:
    "لقد اجتمعت وأصحابي على أمر, واني أخاف إن خالفتهم ألا ألأحق بهم"..
    ثم يعلم الآخرين أنه لم يترك دنياهم عجزا, فيرفع يده إلى السماء ويقول:
    "اللهم انك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشا في هذه الدنيا".

    أجل.. لولا مخافة ربه لزاحم في الدنيا, ولكان من الظافرين..
    بل انه لم يكن بحاجة إلى أن يزاحم, فقد كانت الدنيا تسعى إليه وتطارده بطيباتها ومغرياتها..
    وهل هناك كمنصب الخلافة إغراء..؟
    لقد عرض على ابن عمر مرات وهو يعرض عنه.. وهدد بالقتل ان لم يقبل. فازداد له رفضا, وعنه إعراضا..!!

    يقول الحسن رضي الله عنه:
    " لما قتل عثمان بن عفان, قالوا لعبد الله بن عمر: انك سيّد الناس, وابن سيد الناس, فاخرج نبايع لك الناس..
    قال: إن والله لئن استطعت, لا يهراق بسببي محجمة من دم..
    قالوا: لتخرجن, أ, لنقتلنك على فراشك.. فأعاد عليهم قوله الأول..
    فأطمعوه.. وخوّفوه.. فما استقبلوا منه شيئا"..!!

    وفيما بعد.. وبينما الزمان يمر, والفتن تكثر, كان ابن عمر دوما هو الأمل, فيلح الناس عليه, كي يقبل منصب الخلافة, ويجيئوا له بالبيعة, ولكنه كان دائما يأبى..
    ولقد يشكل هذا الرفض مأخذا يوجه إلى ابن عمر..
    بيد أن كان له منطقه وحجته.فبعد مقتل عثمان رضي الله عنه, ساءت الأمور وتفاقمت على نحو ينذر بالسوء والخطر..

    وابن عمر وان يك زاهدا في جاه الخلافة, فانه يتقبل مسؤلياتها ويحمل أخطارها, ولكن شريطة أن يختاره جميع المسلمين طائين, مختارين, أما أن يحمل واحد لا غير على بيعته بالسيف, فهذا ما يرفضه, ويرفض الخلافة معه..
    وآنئذ, لم يكن ذلك ممكنا.. فعلى الرغم من فضله, وإجماع المسلمين على حبه وتوقيره, فان اتساع الأمصار, وتنائيها, والخلافات التي احتدمت بين المسلمين, وجعلتهم شيعا تتنابذ بالحرب, وتتنادى للسيف, لم يجعل الجو مهيأ لهذا الإجماع الذي يشترطه عبدالله بن عمر..

    لقيه رجل يوما فقال له: ما أحد شر لأمة محمد منك..!
    قال ابن عمر: ولم..؟ فوالله ما سفكت دماءهم, ولا فرقت جماعتهم, ولا شققت عصاهم..
    قال الرجل: انك لو شئت ما اختلف فيك اثنان..
    قال ابن عمر: ما أحب أنها أتتني, ورجل يقول: لا, وآخر يقول: نعم.

    وحتى بعد أن سارت الأحداث شوطا طويلا, واستقر الأمر لمعاوية.. ثم لابنه يزيد من بعده.ز ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدا فيها بعد أيام من توليها..
    حتى في ذلك اليوم, وابن عمر شيخ مسن كبير, كان لا يزال أمل الناس, وأمل الخلافة.. فقد ذهب إليه مروان قال له:
    هلم يدك نبايع لك, فانك سيد العرب وابن سيدها..
    قال له ابن عمر: كيف نصنع بأهل المشرق..؟
    قال مروان: نضربهم حتى يبايعوا..
    قال ابن عمر:"والله ما أحب أنها تكون لي سبعين عاما, ويقتل بسببي رجل واحد"..!!
    فانصرف عنه مروان وهو ينشد:
    إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
    يعني بأبي ليلى, معاوية بن يزيد...

    هذا الرفض لاستعمال القوة والسيف, هو الذي جعل ابن عمر يتخذ من الفتنة المسلحة بين أنصار علي وأنصار معاوية, موقف العزلة والحياد جاعلا شعاره ونهجه هذه الكلمات:
    "من قال حي على الصلاة أجبته..
    ومن قال حي على الفلاح أجبته..
    ومن قال حي على قتل أخيك المسلم واخذ ماله قلت: لا".!!
    ولكنه في عزلته تلك وفي حياده, لا يمالئ باطلا..
    فلطالما جابه معاوية وهو في أوج سلطانه بتحديات أوجعته وأربكته..
    حتى توعده بالقتل, وهو القائل:" لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"..!!

    وذات يوم, وقف الحجاج خطيبا, فقال:" إن ابن الزبير حرّف كتاب الله"!
    فصاح ابن عمر في وجهه:" كذبت, كذبت, كذبت".
    وسقط في يد الحجاج, وصعقته المفاجأة, وهو الذي يرهبه كل شيء, فمضى يتوعد ابن عمر بشرّ جزاء..
    ولوح ابن عمر بذراعه في وجه الحجاج, وأجابه الناس منبهرون:" إن تفعل ما تتوعد به فلا عجب, فانك سفيه متسلط"..!!
    ولكنه برغم قوته وجرأته ظل إلى آخر أيامه, حريصا على ألا يكون له في الفتنة المسلحة دور ونصيب, رافضا أن ينحاز لأي فريق...
    يقول أبو العالية البراء:
    " كنت أمشي يوما خلف ابن عمر, وهو لا يشعر بي, فسمعته يقول لنفسه:
    " واضعين سيوفهم على عواتقهم, يقتل بعضهم بعضا يقولون: يا عبد الله بن عمر, أعط يدك"..؟!

    وكان ينفجر أسى وألما, حين يرى دماء المسلمين تسيل بأيديهم..!!
    ولو استطاع أن يمنع القتال, ويصون الدم لفعل, ولكن الأحداث كانت أقوى منه فاعتزلها.
    ولقد كان قلبه مع علي رضي الله عنه, بل وكان معه يقينه فيما يبدو, حتى لقد روي عنه أنه قال في أخريات أيامه:
    " ما أجدني آسى على شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل مع عليّ, الفئة الباغية"..!!

    على أنه حين رفض أن يقاتل مع الإمام علي الذي كان الحق له, وكان الحق معه, فانه لم يفعل ذلك هربا, وإلا التماسا للنجاة.. بل رفضا للخلاف كله, والفتنة كلها, وتجنبا لقتال لا يدو بين مسلم ومشرك, بل بين مسلمين يأكل بعضهم بعضا..
    ولقد أوضح ذلك تماما حين سأله نافع قال:" يا أبا عبد الرحمن, أنت ابن عم.. وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنت وأنت, فما يمنعك من هذا الأمر_ يعني نصرة علي_؟؟
    فأجابه قائلا:
    " يمنعني أن الله تعالى حرّم عليّ دم المسلم, لقد قال عز وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)) ( البقرة )
    ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله,أما اليوم. فيم نقاتل..؟؟
    لقد قاتلت الأوثان تملأ الحرم.. من الركن إلى الباب, حتى نضاها الله من أرض العرب..
    أفأقاتل اليوم من يقول لا اله إلا الله".؟!
    هكذا كان منطقه, وكانت حجته, وكان اقتناعه..

    فهو إذن لم يتجنب القتال ولم يشترك فيه, لاهروبا, أو سلبية, بل رفضا لإقرار حرب أهلية بين الأمة المؤمنة, واستنكافا على أن يشهر مسلم في وجه مسلم سيفا..
    ولقد عاش عبد الله بن عمر طويلا.. وعاصر الأيام التي فتحت أبواب الدنيا على المسلمين, وفاضت الأموال, وكثرت المناصب, واستشرت المطامح والرغبات..

    لكن قدرته النفسية الهائلة, غيّرت كيمياء الزمن..!! فجعلت عصر الطموح والمال والفتن.. جعلت هذا العصر بالنسبة إليه, أيام زهد, وورع ويلام, عاشها المثابر الأواب بكل يقينه, ونسكه وترفعه.. ولم يغلب قط على طبيعته الفاضلة التي صاغها وصقلها الإسلام في أيامه الأولى العظيمة الشاهقة..
    لقد تغيّرت طبيعة الحياة, مع بدء العصر الأموي, ولم يكن ثمّة مفر من ذلك التغيير.. وأصبح العصر يومئذ, عصر توسع في كل شيء.. توسع لم تستجب إليه مطامح الدولة فحسب, بل ومطامح الجماعة والأفراد أيضا.
    ووسط لجج الإغراء, وجيشان العصر المفتون بمزايا التوسع, وبمغانمه, ومباهجه, كان ابن عمر يعيش مع فضائله, في شغل عن ذلك كله بمواصلة تقدمه الروحي العظيم.
    ولقد أحرز من أغراض حياته الجليلة ما كان يرجو حتى لقد وصفه معاصروه فقالوا:
    ( مات ابن عمر وهو مثل عمر في الفضل)

    بل لقد كان يطيب لهم حين يبهرهم ألق فضائله, أن يقارنوا بينه وبين والده العظيم عمر.. فيقولون:
    ( كان عمر في زمان له فيه نظراء, وكان ابن عمر في زمان ليس فيه نظير)..!!
    وهي مبالغة يغفرها استحقاق ابن عمر لها, أما عمر فلا يقارن بمثله أحد.. وهيهات أن يكون له في كل عصور الزمان نظير..

    وفي العام الثالث والسبعين للهجرة.. مالت الشمس للمغيب, ورفعت إحدى سفن الأبدية مراسيها, مبحرة الى العالم الآخر والرفيق الأعلى, حاملة جثمان آخر ممثل لعصر الوحي _في مكة والمدينة_ عبد الله بن عمر بن الخطاب. كان آخر الصحابة رحيلا عن الدنيا كلها أنس بن مالك رضي الله عنه, توفي بالبصرة, عام واحد وتسعين, وقيل عام ثلاث وتسعين.

  7. #37
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    أبو جابر عبدالله بن عمرو بن حرام ( ظليل الملائكة )

    عندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية, كان عبدالله بن عمرو بن حرام, أبو جابر بن عبدالله أحد هؤلاء الأنصار..
    ولما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم منهم نقباء, كان عبدالله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة..
    ولما عاد إلى المدينة وضع نفسه, وماله, وأهله في خدمة الإسلام..
    وبعد هجرة الرسول إلى المدينة, كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي عليه السلام ليله ونهاره..

    وفي غزوة بدر خرج مجاهدا, وقاتل قتال الأبطال..
    وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو..
    وغمره إحساس صادق بأنه لن يعود, فكاد قلبه يطير من الفرح!!
    ودعا إليه ولد جابر بن عبدالله الصحابي الجليل, وقال له:
    " إني لا أرى إلا مقتولا في هذه الغزوة..
    بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين..
    واني والله, لا أدع أحدا بعدي أحبّ إليّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    وان عليّ دبنا, فاقض عني ديني, واستوص بإخوتك خيرا"..

    وفي صبيحة اليوم التالي, خرج المسلمون للقاء قريش..
    قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة..
    ودارت معركة رهيبة, أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا, كان يمكن أن يكون نصرا حاسما, لولا أن الرماة الذين أمرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين, فتركوا مواقعهم فوق الجبل, وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم..
    هذا الجيش الذي جمع فلوله سريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف تماما, ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء, فتحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة..

    في هذا القتال المرير, قاتل عبدالله بن عمرو قتال مودّع شهيد..
    ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهدائهم.. ذهب جابر ابن عبدالله يبحث عن أبيه, حتى ألفاه بين الشهداء, وقد مثّل به المشركون, كما مثلوا يغيره من الأبطال..
    ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد الإسلام عبدالله بن عمرو بم جرام, ومرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكونه, فقال:
    " ابكوه..
    أ,لا تبكوه..
    فان الملائكة لتظلله بأجنحتها"..!!

    كان إيمان أبو جابر متألقا ووثيقا..
    وكان حبّه بالموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه..
    ولقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم, يصوّر شغفه بالشهادة..
    قال عليه السلام لولده جابر يوما:
    " يا جابر..
    ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب..
    ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
    فقال له: يا عبدي, سلني أعطك..
    فقال: يا رب, أسألك أن تردّني إلى الدنيا, لأقتل في سبيلك ثانية..
    قال له الله:
    انه قد سبق القول مني: إنهم إليها لا يرجعون.
    قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة..
    فأنزل الله تعالى:
    (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا, بل أحياء عند ربهم يرزقون, فرحين بما أتاهم الله من فضله, ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)".

    وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار, بعد فراغ القتال في أحد..
    وعندما تعرف أهل عبدالله بن عمرو على جثمانه, حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا, وهمّت بهما راجعة إلى المدينة لتدفنهما هناك, وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
    بيد أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن:
    " أن ادفنوا القتلى في مصارعهم"..
    فعاد كل منهم بشهيده..
    ووقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء, الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا لله ولرسوله.
    ولما جاء دور عبدالله بن حرام ليدفن, نادى رسول الله صلى اله عليه وسلم:
    " ادفنوا عبدالله بن عمرو, وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فإنهما كانا في الدنيا متحابين, متصافين"..
    والآن..
    في خلال اللحظات التي يعدّ فيها القبر السعيد لاستقبال الشهيدين الكريمين, تعالوا نلقي نظرة محبّة على الشهيد الثاني عمرو بن الجموح...

  8. #38
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    الطفيل بن عمرو الدوسري ( الفطرة الراشدة )

    في أرض دوس نشأ بين أسرة شريفة كريمة..
    وأوتي موهبة الشعر, فطار بين القبائل صيته ونبوغه..
    وفي مواسم عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل فج ويحتشدون ويتباهون بشعرائهم, كان الطفيل يأخذ مكانه في المقدمة..

    كما كان يتردد على مكة كثيرا في غير مواسم عكاظ..
    وذات مرة كان يزورها, وقد شرع الرسول يجهر بدعوته..
    وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم, ثم يضع موهبته الشعرية في خدمة الإسلام, فتكون الطامة على قريش وأصنامها..
    من أجل ذلك أحاطوا به.. وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم, ثم راحوا يحذرونه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقولون له:
    " إن له قولا كالسحر, يفرّق بين الرجل وأبيه.. والرجل وأخيه.. والرجل وزوجته.. وإنا نخشى عليك وعلى قومك منه, فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا"..!!
    ولنصغ للطفيل ذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول:
    " فوالله ما زالوا بي حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه..
    وحين غدوت إلى الكعبة حشوت أذنيّ كرسفا كي لا أسمع شيئا من قوله اذا هو تحدث..
    وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة, فقمت قريبا منه, فأبي الله إلا أن يسمعني بعض ما يقرأ, فسمعت كلاما حسنا..
    وقلت لنفسي: واثكل أمي.. والله إني لرجل لبيب شاعر, لا يخفى عليّ الحسن من القبيح, فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول, فان كان الذي يأتي به حسن قبلته, وان كان قبيحا رفضته.
    ومكثت حتى انصرف إلى بيته, فاتبعته حتى دخل بيته, فدخلت وراءه, وقلت له: يا محمد, إن قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا.. فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك..
    ولكن الله شاء أن أسمع, فسمعت قولا حسنا, فاعرض عليّ أمرك..
    فعرض الرسول عليّ الإسلام, وتلا عليّ من القرآن..
    فأسلمت, وشهدت شهادة الحق, وقلت: يا رسول الله: إني امرؤ مطاع في قومي واني راجع إليهم, وداعيهم إلى الإسلام, فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعوهم إليه, فقال عليه السلام: اللهم اجعل له آية"..

    لقد أثنى الله تعالى في كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..
    وها نحن أولاء نلتقي بواحد من هؤلاء..
    انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..
    فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلها الله على فؤاد رسوله, حتى تفتح كل سمعه, وكل قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا.. ليس ذلك فحسب.. بل حمّل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه وأهله إلى هذا الدين الحق, والصراط المستقيم..!

    من أجل هذا, نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة وإصرار, ويدعو أباه إلى الإسلام بعد أن حدّثه عن الرسول الذي يدعو إلى الله.. حدثه عن عظمته.. وعن طهره وأمانته.. عن إخلاصه وإخباته لله رب العالمين..
    وأسلم أبوه في الحال..
    ثم انتقل إلى أمه, فأسلمت
    ثم إلى زوجه, فأسلمت..
    ولما إطمأن إلى أن الإسلام قد غمر بيته, انتقل إلى عشيرته, والى أهل دوس جميعا.. فلم يسلم منهم أحد سوى أبي هريرة رضي الله عنه..
    ولقد راحوا يخذلونه, وينأون عنه, حتى نفذ صبره معهم وعليهم. فركب راحلته, وقطع الفيافي عائدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه ويتزوّد منه بتعاليمه..
    وحين نزل مكة, سارع إلى دار الرسول تحدوه أشواقه..
    وقال للنبي:
    " يا رسول الله..
    انه غلبني على دوس الزنا, والربا, فادع الله أن يهلك دوسا"..!!
    وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه إلى السماء وهو يقول:
    " اللهم أهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!
    ثم التفت إلى الطفيل وقال له:
    " ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم".

    ملأ هذا المشهد نفس الطفيل روعة, وملأ روحه سلاما, وحمد اله أبلغ الحمد أن جعل هذا الرسول الإنسان الرحيم معلمه وأستاذه. وأن جعل الإسلام دينه وملاذه.
    ونهض عائدا إلى أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم إلى الإسلام في أناة ورفق, كما أوصاه الرسول عليه السلام.
    وخلال الفترة التي قضاها بين قومه, كان الرسول قد هاجر إلى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر, أحد والخندق.
    وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحها الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين أسرة من دوس أقبلوا على الرسول مهللين مكبّرين ..
    وبينما جلسوا يبايعون تباعا..
    ولما فرغوا من مشهدهم الحافل, وبيعتهم المباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته ويتأمل خطاه على الطريق..!!
    تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه إلى السماء ويقول:
    اللهم اهلك دوسا, فإذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..
    ذلك هو:
    " اللهم أهد دوسا وإت بهم مسلمين"..!!
    ولقد هدى الله دوسا..
    وجاء بهم مسلمين..
    وها هم أولاء.. ثمانون بيتا, وعائلة منهم, يشكلون أكثرية أهلها, يأخذون مكانهم في الصفوف الطاهرة خلف رسول الله الأمين.

    ويواصل الطفيل عمله مع الجماعة المؤمنة..
    ويوم فتح مكة, كان يدخلها مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافهم زهوا وصلفا, بل يحنون جباههم في خشوع وإذلال, شكرا لله الذي أثابهم فتحا قريبا, ونصرا مبينا..
    ورأى الطفيل رسول الله وهو يهدم أصنام الكعبة, ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه..
    وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حممة. طالما كان عمرو هذا يصطحبه إليه حين ينزل ضيافته, فيتخشّع بين يديه, ويتضرّع إليه..!!
    الآن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه إثم تلك الأيام.. هنالك تقدم من الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه في أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حممة وكان هذا الصنم يدعى, ذا الكفين, وأذن له النبي عليه السلام..
    ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار.. وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:
    يا ذا الكفين لست من عبّادكـــا
    ميلادنا أقدم من ميلادكــــــــا!!
    إني حشوت النار في فؤادكـــــا

    وهكذا عاش مع النبي يصلي وراءه, ويتعلم منه, ويغزو معه.
    وينتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى, فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول, بل إنها لتكاد تبدأ..
    وهكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل يشمّر لها عن ساعد وساق, وحتى كان يخوض غمراتها وأهوالها في حنان مشتاق إلى الشهادة..
    اشترك في حروب الردة حربا.. حربا..
    وفي موقعة اليمامة خرج مع المسلمين مصطحبا معه ابنه عمرو بن الطفيل".
    ومع بدء المعركة راح يوصي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشهادة..
    وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في هذه المعركة.
    وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..
    لم يكن يدافع بسيفه عن حياته.
    بل كان يدافع بحياته عن سيفه.
    حتى إذا مات وسقط جسده, بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط صاحبها بعد..!!
    وفي تلك الموقعة استشهد الطفيل الدوسي رضي الله عنه..
    وهو جسده تحت وقع الطعان, وهو يلوّح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام..!!
    يلوّح له وكأنه يهيب به ليتبعه ويلحق به..
    ولقد لحق به فعلا.. ولكن بعد حين..
    ففي موقعة اليرموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل مجاهدا وقضى نحبه شهيدا..
    وكان وهو يجود بأنفاسه, يبسط ذراعه اليمنى ويفتح كفه, كما لو كان سيصافح بها أحدا.. ومن يدري..؟؟
    لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه..!!

  9. #39
    مميز السبلة
    تاريخ التسجيل
    Jun 2014
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    11,087
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    السلام عليكم
    ••الرااقيه ميران••
    طرح مميز جدآ سنبحر معآ من خلاله لمعرفة المزيد عن من عاشوا وعاهدوا وصاحبوا طه....
    متابعين لسير الصالحين اصحاب المصطفى رضوان الله عنهم
    باركك الرحمن
    •••

  10. #40
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رووح الورد مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    ••الرااقيه ميران••
    طرح مميز جدآ سنبحر معآ من خلاله لمعرفة المزيد عن من عاشوا وعاهدوا وصاحبوا طه....
    متابعين لسير الصالحين اصحاب المصطفى رضوان الله عنهم
    باركك الرحمن
    عليكم السلام ورحمة الله ...
    أتمنى لك الإستفادة من الطرح .. جزاك الله كل خير

صفحة 4 من 7 الأولىالأولى ... 23456 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م