ثلاث رسائل أرسلها لي وزير يمني هي خلاصة ما يعيشه اليمنيون وأقطار عربية أخرى..!
abdel-kareem-mady.jpg66
عبدالكريم المدي
السكوت عن مأساة المناطق الحارة في اليمن وما سببته لها الحروب الداخلية والعدوان والحصار الخارجي من كوارث وأوجاع إنسانية لا تتوقف، ليس له من مبرر أو توصيف، إلا أنه يأتي من قبيل السكوت عن قول كلمة الحق التي لا تختلف كثيرا عن مشاركة الظالم في ظُلمه، مثله مثل ذلك الذي يدّعي وقوفه على الحياد من الحرب الدائرة بين القوي والضعيف، غير مدرك إن هذا لا يعني مطلقاً الحياد بقدرما يعني الوقوف مع القوي.
مأساة المناطق الحارّة في اليمن تفوق الوصف ومهما حاولنا أن ننقل عنها صورة للآخرين إلا أن اللغة تظل عاجزة عن إيصالها ،
للآخرين كواقع ، وكموت حقيقي وعذابات تحدث على مدارالساعة ،يتقلب في مدارجها أطفال ونساء وكبار سنّ ومرضى في واحدة تُعدُّ من أكثر مآسي الحروب والصراعات في العصر الحديث إيلاماً وصلباً للبسطاء والفقراء والمحرومين الذين لا تخدمهم أو توصل أصواتهم إمبراطوريات إعلامية ولاشركات علاقات عامة عالمية ولا براميل نفط وثروات ، من شأنها أن تُسلط عليهم ،كأقل تقدير عدد من شرفاء هذا العالم ..
للأسف اثبتت الأيام أن من يحب اليمن ويقطر قلبه دما وتسيل عيونه دمعا وروحه حزنا لكل ما اصابها ويُصيبها هم قِلة في محيطنا العربي،وأقل منهم بكثيرمن يدّعون حبهم لهذا البلد ، من خلال حصاره وقتله ، وحمايته من الإنقلابيين ولعنة التدخل الإيراني الذي نسمع عنه فقط ولا نراه أو نلمسه أبدا ، مثلها مثل كثير من المشاهد الوهمية في الأعمال المسرحية ، وتحديدا مسرحية ( حُلم ليلة صيف ) لوليم شكسبير .
وزيرالنفط والتعليم العالي اليمني السابق المهندس هشام شرف عبدالله ، نكأ لي جراحات كثيرة،حينما اعاد إرسال بعض الرسائل التي تصله من أبناء محافظات (عدن – ابين – الحديدة – لحج) إلى هاتفي،والتي يلخّص أصحابها فيها مشاهدا وصورا مُرعبة،صادمة لأشكال المعاناة التي يعيشونها في تلك المحافظات ،وكيف أن أطفالهم يموتون في الليل والنهار كل يوم ألف ألف مرة، ومعهم تموت قلوب ونفوس وأرواح أولئك الآباء والأمهات الذين لا يجدون أي وسيلة يخففون بها عن فلذات أكبادهم قليلا من ذلك الجحيم الذي يفترس عيونهم ولحمهم الطري ويهرسه أمامهم في مشاهد تكاد تختصر أوجاع وأحزان وإنسحاق الإنسان تحت سلاسل وأغلال وأقدام الظلم والعجزوالفوضى منذُ الخليقة الأولى وحتى اليوم .
إحدى تلك الرسائل التي تُمزّق نياط القلب تقول : ( أنا أمٌّ ، كنتُ أحلم بتعليم أطفالي تعليما ممتازا وإسعادهم والتفسح معهم في الحدائق والشواطىء ، واليوم لم يعد لي أي حلم ،سوى أن أشاهدهم ينامون ساعتين أو ثلاث بدون أن يسلقهم الحرّ ويسلق قلبي معهم ،قتلونا ،قتلوا كل شيء فينا ، ما ذنبنا حتى نُعاقبُ بهذه الطريقة ؟)
ورسالة أخرى : ( هكذا أصبح أبناء عدن الأحرار، يارئيس وياحكومة فنادق السبعة النجوم . نتحداكم أن تثبتوا بالدليل القاطع، أنتم أو
أقاربكم أن أحداً منكم ذاق ما يذوقوه أبناء عدن .. حسبنا اللة ونعم الوكيل فيكم..)
وهذه رسالة ثالثة وأخيرة : (الرجال يفترشون الأرض في الشوارع بحثاً عن نسمة هواء، والنساء والأطفال في البيوت يموتون ،
يخنقون.. يا ويلكم من عذاب الله.. يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.. يا ويلكم من دعوة المظلوم في عدن وغيرها، ليس بينها وبين الله حجاب)
تلك الرسائل، في ظني تختزل معاناة أمة أسمها الأمة العربية ، التي أبتليت بكثير من المآسي ونائبات الدهر.
المهندس هشام شرف ، ذيل الرسائل السابقة، التي أرسلها لي كنموذج، بملاحظة قال فيها : أخي عبدالكريم ذكّر عسى أن يلتقط تذكيرك المؤمنون ، إن كان هناك مؤمنون وأناس معنيون يحسّون بمعاناة المواطنيين ويستشعرون مسؤلياتهم من مقرات إقاماتهم في فنادق الخارج، عسى ما ستكتبه -يا عزيزي – يحرك المشاعر والضمائر ويهزّعروش الظلمة والطغاة وكل من يزايد ويتاجر بهذا الشعب ، ولا يلتفت لعذابات ومرارات أطفاله ومرضاه وكل مواطنيه في عدن والحديدة وغيرها ..)
أعتقد أن المآسي والمرارات التي يعيشها المواطن اليمني خاصة والعربي عامة،سواء كان ذلك في سوريا أو فلسطين أو العراق ، أو ليبيا وووالخ ،تُعتبر فوق قدرة الإنسان الحر وصاحب الضمير الحي على احتمال تقبلها أو معرفتها ومن ثمّ إغفالها وعدم التعاطي الجاد معها والبحث لها عن حلول ، بالله عليكم ألا تكفي مثل هكذا حوادث ومآسي إنسانية في هزّ الإنسانية وصفائح الأرض التكتونية من تحت أقدام هذا العالم الذي صار متوحشا كتوحش المخلوقات في عصور الديناصورات وما تلاها ، ولتوضيح ما نقوله ،خذوا لكم مثالا على ذلك..إدخال طفلين من مرضى الفشل الكلوي إلى أحد مستشفيات مدينة الحديدة ليموتا في طواريدها بدون رحمة،و أمام أعين والديهما والأطباء، بسبب عدم وجود كهرباء تُشغّل جهاز الغسيل ( الغسيل الكلوي ) ، وهذه عبارة عن صورة واحدة لحدثين من عشرات ومئات الصور والحالات في أكثر من محافظة ومستشفى .
هذا بالنسبة للمرضى، مع العلم أن إرتفاع درجة الحرارة خطير جدا حتى على حياة الأصحّاء الذين يموت بعضهم، أو يُصابون بعدة أمراض، وقد اثبتت دراسات علمية حديثة إنه وعند ارتفاع درجة حرارة الجسم في المناطق الحارة لتتراوح ما بين 40 إلى 41 درجة مئوية، يكون من المحتمل أن يصاب الجسم بالإعياء الحراري، وإذا ما ارتفعت عن 42 درجة، كما هو الحال اليوم في محافظة الحديدة، فإن وظائف الجسم تبدأ بالتوقف.)
تلك أمثلة ونتائج بسيطة للكوارث التي تُخلفها الحروب ،وبتعبير آخر لنتائج الحرب اليمنية / اليمنية، والعدوان الخارجي على هذا البلد، فهذه الحرب القذرة التي كانت بدايتها – كما يقال – شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى، بلوى بكل ما في الكلمة من معنى ، قد كلفت الشعب اليمني كثيرا، وخلفت له بالفعل،البلاوي ،والدمارو الدموع واللصوص والأحزان والمقامرات التي تجعل المتقاتلين يستخدمون أفضل وأقبح ما لديهم من آلات فتك لكي يلحقوا بأنفسهم أسوأ ما يصيبهم، ويصيب مجتمعهم ، ومع هذا لم يعتبر إلى اليوم أحد، الجميع يبدو مصرّين على السير في صياغة هذا الطريق نحو أهدافهم المجنونة، بعنف وقوة وشراسة وشراهة، ولا يهمهم إن كان هذا يحدث على بحور من الدماء وتحت آفاق وسماء مشتعلة بالنار..
الخلاصة:
ما نعيشه حاليا في أكثر من قُطر عربي ، يعكس أولا تفككنا ، وجهلنا ، وثانيا يجسد بالفعل هذه العبارة : (إذا كانت الحرب خلاصة كل الشرور، فالاستبداد والظلم والفساد خلاصة كل الحروب)
وشهركم مبارك وكل عام وأنتم وأمتنا بألف خير وعافية.
كاتب يمني