وأنسى بـوجـهـكِ كل القمر !!
عند كل نضج واكتمال ، ينتشي القمر مبتهجا بشبابه وهو في أبهى بزوغه المدور ..
يطرق نوافذ الغافين بأصابعه الفضية ، كي
ينالوا قسطا من مرأى وجهه الموسوم بحبة الخال على جانب خده الوضيء ، قبل أن يغرب في آخر غبش متثائب .
بينما العشاق الليليون معه .. يتعاطون بكل وفاء خمر ضيائه المصفى ، ويسهرون بمعيته ومعية حديثه ، والثالث بين الإثنين إما فرح أو حزن ، أو نار حنين ، أو فراغ يدس يديه في جيبي قميصه ، ويمشي بفم صامت ، أو متكلم مع أفكاره ، في ليل الطرقات المسكوبة بالنور الهادىء والغفوة .
وأنا في منتصف جنوني اليومي . أنسل بصفر هدوئي على أخماص أصابعي ، وأهرب دون ضجيج من أوراقي المشاكسة ، ومن كتبي التي لا تمل مني ولا من مرافقتي . أخرج من حجرتي ، فارغا من كل شيء ، الا من تدثيرة حماس الرغبة . أمتطي نعال التسكع الليلي ، وأهيم في الدروب . لا أحد معي إلاي . فالتي اعتدت مساهرتها نامت على غير العادة في ليلتنا القمراء هذه ، وقبل أذان الديكة بوقت ( لا عليكم من نومها ؛ فكثيرا ما تصحو بعد سويعة ، لأجدها قربي ثانية ، تهمس سائلة بنعاس يتفتفت بهدوء مع سكر صوتها : لساتك ساهر ؟! ) . وحتى لا يأخذني سلطان النوم إلى النوم ( وهذا نادر الحدوث ) ؛ تتعمد بأنانيتها التي جدا جدا أحبها أن تسكب لي فنجانا من قهوة ، مع تفجير موضوع جديد يصحصح الذهن للنقاش . أو تعرض لي نصا جديدا كتبته وأرجأت عامدة على تأخير مكاشفتي به . فقط لتحمي عيناي من أي هجمة نوم ، لنظل نرتشف الليل ثرثرة وضحكا .
أعترف .. هذه الشهرزاد ؛ معها لا ينتهي الحكي الشهي ولا السهر ، ولا أرغب أن ينتهيا أصلا ، رغم أن الليل ينهيهما قسرا في آخر بقية متبقية له ، لنتفاجأ بضياء النهار ، وزقزقة العصافير ، والشروق .
ودوما دوما عند حضور وجهها أنسى القمر ولا أنتبه لوجوده إلا حين تودعني وتتركني ببقايا ما كان منا .. وحين وداعها ؛ يشهق قلبي بالحنين وأزفر من رئة الضجر إن طولت البعد وزرعتني على عتبات القلق والزمن الذي يتمدد بي حنينا من دون نهاية !!
العشاق الشعراء ومن ينتمون إلى عوالم الفن والكتابة هم الأكثر إستهلاكا لليل ، ولفناجين القهوة ، والسجائر ، ولفيروز وعبدالحليم وناني أو من شئت من ملائكة الألحان . وأضف الحبر والورق ، والأعصاب المحترقة بجمر الأبجدية في قائمة ما يستهلكون ، أو بأصدق العبارة ما يستهلكهم من كل شيء ، ينتهي رغيفا ناضجا أو قالبا من حلوى يهدونه للقراء في صورة نص جديد خرج لتوه من فرن الأبجد او أي فرن معاناة أو مخاض .
و ....
القمر طلع
والخوف بعد
والهوا دفي
والليل سمع
وأمانة يا دنيا أمانة
تاخدينا للفرحة أمانة
وتخلي الحزن بعيد عنا
وتقولي للحب استنى ( موعود/عبدالحليم حافظ ) .
بقلمي / سعيد مصبح الغافري
______________________