نفر ما في مخ..

بقلمي : خليفة سالم الغافري

حضر وقت صلاة الجمعة ذات سنة وانا في محافظة أخرى غير محافظتي فدخلت الى المسجد.. المسجد كان متوسط المساحه ولكنه كان يعج والحمدلله بالمصلين.. بصعوبة وجدت لي مكانا لأستمع الى خطبة الجمعه..
كان ما يقارب من التسعين بالمائة من عدد المصلين من العمالة الوافدة الآسيوية بعضهم يرتدي ملابس عمانية وقلة قليلة من أهل البلد...*
كان الخطيب مفوها وهو رجل مصري على ما يبدو في الستينات من عمره يرتدي جلابية واسعه وعلى رإسه عمامة بيضاء كورها على رأسه كتلك التي نراها في المسلسلات المصرية.. يضع على عينيه نظارة طبية سميكة ويحمل في يده عصى غليظة يتكيء عليها.. بدأ في إلقاء خطبته العصماء ذكرني ساعتها بخطب الشيخ عبدالحميد كشك وهو يحاول جاهدا ان يقلده.
يعلو صوته احيانا ويخفضه احيانا أخرى ولكن الملفت للإنتباه أن الكثيرين من الحضور نائمين وهم جلوس لدرجة أن أحد المصلين وكان جالسا على يميني بدأ في إصدار اصوات تشبه الشخير وضربت بركبتي على ركبته ليصحو والخطيب مستمرا في إلقاء خطبته غير آبه بحال من يخطب فيهم.. أدرك جيدا أن المصلين لا يستوعبون ما جاء في تلك الخطبة لإختلاف اللغة فمهما كانت لديهم المقدرة على التواصل لغويا مع الآخرين إلا أن مقدرتهم تلك قاصرة عن فهم خطبة تلقى عليهم باللغة العربية الفصحى .. كما أنني أفهم جيدا أن الرجل مدرك تماما أن هؤلاء المصلين لا تصلهم كلماته بشكل جيد ولكن هو يؤدي عمله كخطيب وغير ذلك ليس من شأنه.*
أنتهت الخطبة والدعاء وأقيمت الصلاة..*
في الحقيقة كان يرتل بصوت جميل ولكن وعند أول سجدة لنا سجد ذلك الرجل الجالس على يميني والذي كان نائما ولم يرفع رأسه بعدها قمنا للركعة الثانية وهو لا يزال ساجدا.. شغلني كثيرا ولم أستطع التركيز في صلاتي فالرجل على ما يبدو أنه قضى نحبه ساجدا.. يا له من محظوظ في خاتمته.. لقد مات وهو ساجد... ماذا أفعل ؟ علي أن أفعل شيئا ما!!! ربما يحتاج لإسعاف أولي سريع!! وبالتأكيد علينا ان نأخذه لقسم الطواريء بالمستشفى..
هل أكمل صلاتي أولا ومن بعدها أقوم بمساعدته ؟ أم أساعده اولا ومن بعدها أعيد صلاتي ؟
وأنا في غمرة تفكيري وحيرتي فجأة رأيت الرجل وقد نهض من سجوده وتلفت يمنة ويسرة وخرج من المسجد يتخطى رقاب المصلين وذهب.
وذهبت صلاتي بالانشغال به وبحالته تلك.. وقفت مذهولا.. ما هذا ؟ الرجل لا يزال حيا وذهب.
بعد الصلاة سألت أحدهم عما به فرد علي بعربية مكسرة : (هذا نفر ما في مخ).