كُنتُ يوماً بينَ ساحاتِ مدينةِ الطفولة إلى أن انتهى وجودي بِها ..
أغلقتُ البابَ بعدما اصطحبتُ معي حقائبَ سفري و قلبي الذي
راحَ يتهكم بِالحُزن حتى يمكُث هُناك .. / و أوراقيَ التي سَأسطُرُ
بِها اشتياقي .. إن داعبني احساسُ الغُربة !
انتقلتُ إلى مدينةٍ جديدة .. أعرتُها ودي حينَ أغرتني تلاوينها
صاحَ بِها اعجابي / و في خزائنَ مُمتلكاتي خبئتُ كُلُ ما لهُ علاقة
بِموطني عِندما كُنتُ طفلةً بِملامحَ تتضحُ عليها علاماتُ العيش السعيد !
لحظةٌ حائِرة !
على ناصيةِ الماضي أقفُ الآنَ حائِرة و لا يدورُ في قلبي
إلا رغبةٌ في العودةِ إلى حيثُ كنتُ أنتمي ..
فَالذِكرى بعضُ الأحيان تلتهمُ الحال بِفمِ الاشتياق !
و لكنني لَن أنسى أيضاً أن مفتاحَ مدينةُ الطفولةِ قد ضاعَ و انتهى الأمر
مِن الواقِع .. و لم ينتهي مِني !
أصبحتُ لا أُغرم بِما في هذهِ المدينةِ الحالية .. فَلم أرى بينَ بساتينها
ما يسُرُ الحالَ أبدياً / كُلها لحظاتُ و تصمتُ تهاليلَ الفرح !
أصبحت لا أستمعُ إلا لِحديثِ النجومَ ليلاً .. و تنثرُ مِن لمعانِها
بعضاً مِن البسمات سَيُطفأها الظلام بعدَ فترةٍ قصيرةٍ جداً ..
و يمكثُ السؤالُ بينَ اضطرابِ الأفكار :
ماذا دها بِالزمان .. أو ماذا دهاني حتى أصبحُ و أمسي
على نفسِ الحال دونَ تبديل ؟!!
فَوداعاً يا مدينةٌ استوطنتُ بِها .. و لكنني لَن أعودَ إلى حيثُ
ما كنتُ عليهِ في الماضي .. فَحافلةُ الاغتراب ترقبُني !
لأنَ البقاءُ هُنا يكادُ يخنقُني بِعبراتهِ اللا مُنتهية !
قد أصبحُ في أحدِ الصباحاتِ رفيقةُ السعادة إن رحلتُ مِن هُنا !
و في لحظةٍ لا تسبقُ الدقيقة .. اشارَ لي الزمانُ بِأنَ لا خروجَ
مِن هُنا / حينها أدركتُ بِأنَ الهروبَ ليسَ حلاً حتى أُنهي الأشجان ..
فَالحياةُ مواجهة .. قبلَ أن تكونَ بِكُلِها مُغشيةٌ بِلحافِ الفرح ..
و أنني لَن أذوقَ مِن نهرِ السعادةِ كأساً إلا إذا تقبلتُ مرارةَ الزمانِ
و حاربتُها .. و ضعيفٌ مَن لا يصمُد أمامَ عواصفُ الحياة .. !
في المساء !
تسابقت الأيامُ و السنين إلى أن أتت بي هُنا .. في عالمٍ
نثرتُ بِهِ أولُ أحرُفي .. و كأنها كانت تطلبُ الاستغاثة فَبهِتت
و أصبحت كَالرماد تذروها الرياح ..
في المساء .. لا أستعينُ إلا بِالكتابةِ إن ضعفت قوايَ
و بهتت عينايَ حينَ تنثرُ دموعها .. لا أكترثُ إلا لِصوتِ
قلبي حينَ يِلحنُ بِأوتارِ الاشتياق ..
فَعسى أن تسقُطَ عني أثقال و تصُد عني أشجان ..
فَلستُ مِن حديدٍ صلد حتى أفتحُ الأبوابَ مِن أجلِها كُلَ حين ..
و لكنني مِن الزهرِ ..
تلكَ التي إذا ما أقبلَ الصباح .. استبشرت بِالأمل !
هلوسة مسائية
3/5/2015