النص رقم ( 27 )
للشاعر الكبير / سعيد مصبح الغافري
رابط النص :

http://omaniaa.co/showthread.php?t=106484


النص / دموع الطين



دمــوع الـطــيـن !!



أحـنُّ لـسـاقـيةٍ مـثـلُ شِــريـانِ قـلـبي
كانت تُـهـروِلُ بالمـاءِ دون اضـطـجـارٍ
وكانت حـنـيـنـاً
ومـوعِـدَ عِـشـقٍ يُـلاقي الحـقـولَ
بـشـالٍ حـريـرٍ بـلـونِ السـمـاء
في ألـفِ مُـنـعـطـفٍ ومَـصَـبْ !!
أحـنُّ إلـيـهـا ..
وأذكـرُ ؛ كانت على ضِـفَّـتـيـهـا
تـسـتـحـم الحـكـايـا والثـرثـرات
وفي عمقها المُـسـتـفـزُّ عُـيُـونـي
تَـغـطُـسُ دومـاً طُـفُـولـةُ روحـي
شَـقـاواتُ قـلـبـي الذي لـم يَـتُـبْ !!
أحـنُّ أحـنُّ
لـرقـصِ الصـبـايـا ..
لأرجـوحـةٍ عُـلِّـقـت بـالضـيـاء ..
لـتلك الضـفـائـرُ
عـاشـقـةُ الـريـح والأُغـنـيـات
والضـحـك المُـتـقـافِـزُ حــراًّ
في كـل وَثْـبٍ رشــيـقٍ يَـهُـــبْ !!
أحـنُّ أحـنُّ لـذاك الشــتـاء
وضـمَّـتـنـا حـول نـارِ الليالي
وأُنـس الحـديـث الـدفـيءِ العــذِبْ !!
أحـنُّ . أحـنُّ
لـشـجـرةِ تـيـنٍ
إلـى ظـلِّـهـا رافـقـتـني الحـروف و أشـهـىَ الكُـتُـبْ !!
أحـنُّ . أحـنُّ
لـتـوتٍ إِلـيـهِ
تَـصَّــاعــدُ النـارُ في شـهـقـةِ الإشـتـهـاءِ الكـبـيـر
كـمـا ثُـغـرِ أول حـبٍّ لـثـمـتُ
في ذاتِ يـومٍ بـطـعـمِ اللـهـبْ !!
أحـنُّ إلى فـيْءِ لـيـمـونـةٍ
تـحـتـويـني سُـبـاتـاً
ظُـهـيـرة قـيـلُـولـةٍ ذرذرتْ بـالأريـجِ
وفـيْـضِ الهُـدوء
الذي لـم يُدنِّـسـهُ بَـعـدُ الصُـراخُ . الضـجـيـجُ . الصَّـخَـبْ !!
أحـنُّ أحـنُّ لـعَــرِّيِـشَــةٍ
عـنـاقـيـدهـا
أسـكـرتْ بـالـنـبـيـذِ سِــلالَ القَـصَـبْ !!



أحـنُّ لأطـفـالِ حـارتـنـا يـقـنُـصُـون الفَـرَاشَ . الجــرادَ
. اليـعـاســبَ
والـورد من كل شـكـلٍ ولـون
وهُـم يضـحـكـون :
لـلـشـمـسِ ..
لـلـركـضِ ..
لـلـعـطـشِ المُـرتـمـي في الســواقـي ..
لكل الحـيـاةِ المـلـيـئـة صـفـواً . نـقـاءً . لُـعَـبْ !!
أحـنُّ أحـنُّ
لأُقـصُـوصَـةٍ قـبـلَ نـومـي المُـبـكـر
تـحـكـيـهـا أُمـي
أَبـي
جِـدتـي
لأحـمـلـهـا صَـوبَ مِـخـدعِ حُـلْـمٍ
أو مـرسـمٍ عـالـقٍ فـي خـيـال
أو أُلـقـهـا في أُتــون سُــؤال
يَـهـديـنـنـي لـصـراطِ يـقـيـنٍ أو نـورِ دربْ !!
أحـنُّ بـكـلِّ حـرارةِ شـوقـي
لـ ( سَـوْقَـمـةِ ) الســوق وقـتُ العُـصَـارىَ
حـيـث ( المُـنـاداةِ ) والـبـيـعِ
والنـاسِ من كل فَـجٍّ عَـمـيـقٍ وصَـوْبْ !!




أحـنُّ لـذاكَ الجـمـيـل النـحـيـل
من كـان يُشــبـهُ وَجْــهَ بِـلادي
أحـنُّ لـذا المُتمـنـطـقُ إِشــراقـة الصـبـح
لـمـرآهُ بـ ( الصَّــوْعِ )
يصـعـدُ ..
يصـعـدُ ...
كـي يَـجـتـني مِن عُـذوقِ الســوامِـقِ حُـلـوَ الـرطـبْ !!
أحـنُّ إِلـيـهِ ..
أَثَـمَّـةَ ذاكِـرةٍ تَـعـرفـه ؟!
بـشـكـلِ مَـلامِـحـهِ يـومَ كـان
عـشـيـقـاً ، يُـقـدِّسُ طُـهْـرَ الـتُّـرابْ !!
وَفِيـاًّ ، يُـحـبـهُ كُـلُّ الشــجـر !!
أحـنُّ إِلـيـهِ كـثـيـراً . كـثـيـراً
واشـتـاقُ أَسـمـعُ
لـشـدوِ غُـنـاهُ الـمُـذَوِّبُ رُوُحـي
لـتلـك الذِّراعُ الحـنـونُ الرؤومُ
تـلـفُّ بِـعِـشـقٍ خُـصُـورُ النـخـيـل
وتُـهـديـهـا قـلـبـاً وَفِـيًّـا وحُــبْ !!
إِيـه يـا بـلاد !!
لـو بـعـضُ مِـمَّـا مَـضَـى يُـسـتـعـاد :
النـسـاءُ الجـمـيـلات
مُـفـتـرشـاتُ الضُّـحَـىَ بـ ( القَـهَـاوي ) !!
مَـنـاجـلُ عُـرسُ الحَـصـاد !!
مِـحـراثُ جَــدِّي !!
زاجِــرةُ الـثـور !!
صــوتُ ( المَـنـاجـيـرُ ) والمـاءُ والسَّـكـبْ !!
أوَّاهُ . أوَّاهُ لـو يُسـتـعـادُ
ذاكَ المُـغــرِّدُ
أيـامَ سِــدرةُ تـلـكَ اللحُـون
وصـوتُ البـواريـدُ عند البِـشـارةِ
أوَّاهُ . لـو تُـسـتـعـادُ الفـوارسُ
والعـاديـاتُ صُـبْـحـاً بـهـمْ
أوَّاهُ . أوَّاهُ
لـو يُسـتـعـادُ زمـانُ الصـهـيـلِ . الطـبُـولِ . و ( حــاربْ ) !!
الله . الله من صـوتِ ( حــاربْ )
إذا ما شَــدَىَ
شَــجَـىَ كـُلَّ قـلـبْ !!



أحـنُّ لـركـضـي هُـنـا حـافـيـاً
بـهـذا المَـدَىَ المُـتـشـاسِـعُ ضُــوءاً
والمُـتـشـبـعُ طِـيـنـاً وعُـشـبْ !!
أحـنُّ لـتلك المَـصَـايِـف
لـتلك الـوُجُـوهِ الجـديـدةِ
تـأتـيـنـنـا مِن أقـاصـي قُـراهـا
و( عِـرشـانـهـا ) قُـربَ تـلـك السـواقـي
مِن سَـعَــفٍ قد بـنـتـهُ البـسـاطـةُ
ولـم تـبـتـغـي غـيـر ذاك الحصاد
وسـجَّـادةٌ من تُـرابٍ ، ورَبْ !!
أحـنُّ كـثـيـراً
لِـجـوِّ ( الـرَّقـاطِ )
في الـريـحِ ، حـيـثُ انـفـراطُ المَـطَـر
وحـيـثُ البُـروقُ . الـرعـودُ . السُّـحُـبْ !!



أحـنُّ إلى ( قَـرْطـةِ ) الـبـيـتِ دومـاً
لأغـصـانـهـا السُّـمُـرِ الصـاعِـدات
تُـهـدي نـهـاري لُـحُـونـاً عُـــذابــاً
وشـيـئـاً كـثـيـراً من قِـصـصِ العِـشـقِ والبـوحِ
أُصـغـي إلـيـهـا
ولـلـغـزلِ العـلـني الذي تـتـعـاطـىَ
بـعـيـنِ ومَـسـمـعِ ذاكَ النـهـارِ
السـعـيـد الـرحـبْ !!
هُـنـا كـنـت أسـمـعُ في الـزقـزقـاتِ
وفي مَـغـنى ذاك الهـديـل الشـجـيِّ
هُـنـا كـنـت أسـمـعُ
مـا كـان يَـغـسـلُ كل التـعـبْ !!
أحـنُّ إلى الطـيـن
لـبـيـتٍ بـسـيـطٍ لـجِــدِّي
لـنـارنـجـةٍ بجــوارِ السِّـفَـرجـلِ والياسـمـيـن
كانت خُـطـايَ تحـجُّ إلـيـهـا
وأرجـع للبيتِ بَـعـد الطــوافِ
سـعـيداً بـأنِّي قـطـفـتُ القـمـر !!
أحـنُّ إلى النـهـرِ
ذاك العـظـيـمُ المَـلـيءُ ازرقـاقـا وعُـمـقـاً ودهـشـة
وصـوتُ أبـي كلما إِقـتـربـتُ :
ـــ حَـذَاراكَ يـا وَلـدي تَـقـتـربْ !!



أحـنُّ .. أحـنُّ
لـعِـشـريـنَ بـيـتٍ طـواهـا الـرحـيـلُ مـع الـذكـريـات
عِـشـريـن بـيـتٍ !!
كُـنـتُ أراهـا بحـجـمِ الحـيـاة
كانت من الطـيـنِ أذكـر
والطـيـنُ ..
كـأيِّ زمـانٍ مَـضَـىَ لـن يَـعـود ؛
الطـيـنُ مــات !!
الطـيـنُ مــات !!
مُنـذ غــزوِ الحــديـد
وزَحـفِ البـيـوتِ التي دون دِفءٍ
ولا أيِّ رُوحٍ ولا أيِّ قُــربْ !!
الطـيـن مــات !!
ومــاتـت وَرَاءَهُ أنـقـىَ الحُـقَـبْ !!
أحـنُّ إلى زمـنِ الطـيـبـيـن
إلى أصــدقـاءِ الطـفـولـةِ
الغــائـبـين بكـلِّ الجِـهـات
ومَـن لايـزالُ حـنـيـنـي إلـيـهـم
يـضــجُّ .. يـضــجُّ
ولـم .. لـم يَـغُــبْ !!
أحـنُّ إلى حــارةٍ مِـلـؤُهـا وَجْــهُ أُمِّــي
إذا أشــرقـتْ ضِـحـكـةً وابـتـسـامـاً
هَـدَتْ نُـوُرهـا كـلُّ بـيـتٍ ودربْ !!
أحـنُّ إلى ذكـريـات أبـي
أبـي مَـن فَـنَـىَ عُـمـرهُ كُـلَّـهُ
بـيـن الأمــانيَ والمُـسـتـحـيـل
أبـي مَـن تـشـظَّـى اغـتـرابـاً طــويـلاً
على ذاتِ لـوحٍ
طـفـىَ عِـيـشـةً في بِـحــارِ التـعــبْ !!
أبـي .. يـا أبـي !!
أيـا سُــورة الصـبـرِ والكــادحـيـن
يـا خـيـر أبْ !!
هُـنـا حــارتـي !!
أهـجُّ إلـيـهـا
بـوجـهِ غِـيـابـي / حـنـيـني/ الـتـيـاذي
أهـجُّ إلـيـهـا
أنـا ذلك المُـتـمـزقُ روحــاً
أنـا مَن يـعـيـشُ الحـيـاة إغـتـرابـاً وتِـيـهَ ضَــيـاعٍ
ما بين شرقٍ وما بين غـرب !!
أفـر إلى حـارتي اليـوم شـوقـاً وأبـكـي ..
أبـكـي ...
بحـضـنِ الجِـدارِ الـذي ضَــمَّ يـومـاً
شَـقـاواتُ أمـسـي
أبـكـي بكـلِّ الحـنـيـن الذي فيَّ شَــبْ !!
سـلامٌ عـلـيكـم يـا إِخـوتـي
سـلامٌ عـلـيكـم
شُـخْـنـا سَــريـعـاً !!
وشـابـت مَـلامِـحـنا يـا رفــاقي
واشـتـعـلَ العُـمـرُ ثِـلـجـاً . سُـعـالاً
وخَـطـواً يَـهِـشُّ بـمُـتـكـأِّ الحـزنِ والآهِ صَـمْـتـاً
عـلى بـعـضِ أمـسٍ مَـضَـىَ دونَ أَوْبْ !!
شـعـر / سـعـيد مصـبـح الـغـافـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
# إشارات :
@ السوقمة : شجرة ضخمة معمرة كثيفة الأغصان وكثيرة الورق . تؤكل ثمارها عند نضوجها وتحولها إلى اللون البنفسجي أو العنابي .
@ المناداة : وقت بيع المواشي في السوق الشعبي وقديما كان هذا النشاط يمارس بعد الظهيرة وحتى قبيل المغرب . اما اليوم فصباحا فقط .
@ الصوع : الحبل او الحزام المستخدم لصعود النخيل وهو حبل تقليدي متين مصنوع أغلبه من الليف .
@ القهاوي : وقت تجمع نساء الحارة(الجارات)في بيت احدهن لتبادل الحديث وشرب القهوة وملحقاتها من أطعمة وقت الصباح أو المساء لحين غروب الشمس ويحدث ذلك عادة عصرا ومن هنا جاءت تسميتهن (المعصرات ) أو ( حديث المعصرات ) .
@ المناجير : جمع والمفرد منجور وهو آلة تقليدية قديمة يستخدمها الفلاحون في مزارعهم من أجل جلب الماء من البئر بالدلو بمعاونة ثور أو ثورين ويصب الماء المجذوب من البئر في خابية كبيرة أو حوض كبير به ساقية أو عدة سواقي متجهة إلى المزارع والحقول لريها.
@ حارب : شخصية عمانية مشهورة بصوتها العذب في فن الميدان .
@ العرشان : جمع والمفرد عريش ؛ بيت بسيط من سعف وجذوع النخيل يكثر استخدامه في الصيف .
@ الرقاط : موسم البحث عن الرطب والتمر المتساقط على الأرض من عذوق النخيل في المزارع في فصل الصيف وعادة ما يقوم به الأولاد والبنات مجتمعين في مجموعات تأتي من حوائر القرية وفي يد كل واحد أو واحدة سلة صغيرة لجمع ما يجده حول النخلة على الأرض من رقاط ومن هنا جاء المثل العماني الذي يقول : ( كل ساقطة ولها راقطة ) .
@ القرطة : شجرة شوكية ضخمة معمرة ذات لون بني غامق واغصان كثيرة متينة وقوية . تستخدم عناقيدها في دبغ الجلود وفي علاجات طبية متنوعة كما أن خشبها مناسب لصناعة السفن وزهرتها صفراء ذات رائحة زكية .
__ المصدر : المؤلف . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ