الحلقة الخامسة عشر ١٥
" أني مغلوب "
خرجت أمل وتركت عادل غارقا في التفكير .. ما هى هذه الهدية التي ذكرتها هذه المرأة ؟؟!
ثم أعاد بصره إلى النافذة متأملا في السماء .. وما هى إلا لحظات وفتحت باب الغرفة مجددا .. وتقدمت أمل نحوه وهى تحمل بين ذراعيها الطفلة بهجة .. نظر عادل إلى بهجة وقد اغرورقت عيناها بالدمع .. جلست أمل أمامه على الأرض ونظرت إلى عينيه بإشفاق قائلة
أمل: هذه الهدية الربانية تفتقدك منذ مدة يا سيد عادل
مد عادل يده ليأخذ بهجة وقد بلل الدمع وجهه .. وما أن استلمها حتى أخذ يلثمها ويقبلها بشدة وهو يبكي منتحبا .. يشعر بالجرم العظيم الذي اقترفه بحق أمها وجعلها تحرم من حضنها
تعالى صوت بهجة بالصياح فأشفقت أمل عليهما .. ومدت يدها لتأخذ بهجة إلا أن عادل احتضنها بقوة رافضا أن تأخذها منه
فهمت أمل ذلك وقالت له: لا تقلق لن يحرمك منها أحد بإذن الله .. فبهجة لابد أن تبقى دائما معك .. فقط أريد تهدئتها ..
نظر عادل إلى أمل مترددا .. ولكنه لمح الصدق في عيني أمل .. قبل جبين ابنته ثم سلمها إياها .. أخذت أمل الطفلة وظلت تلاعبها وتضاحكها .. وبهجة تبتسم لها وهى سعيدة .. هنا شعر عادل بالطمأنينة وأيقن في قرارة نفسه بأن هذه المرأة طيبة
تزايد هذا الشعور لديه يوما بعد يوم .. وهو يرى أمل تعمل المستحيل لمساعدته .. كل شيء غيرته له .. طعامه ، ملابسه ، أدواته الشخصية ، حتى فراشه .. كل يوم يستيقظ فيه يراه مختلفا عن اليوم الذي سبقه ..
وهذا اليوم فاجئته أمل بأمر لم يكن يتوقعه .. فقد اعتادت بشكل يومي بعد أن ينتهي من الإستحمام وتعديل هندامه .. أن تضعه قبالة النافذة بعد أن تفتحها له ثم تتجه لإحضار إفطاره له .. ولكن هذا اليوم وبعدما انتهت من تسريح شعره ورش العطر على ثيابه .. قالت له بإبتسامة صادقة
أمل: اليوم أنت مدعو لتناول وجبة الإفطار في مكان اخر
تعجب عادل من كلماتها هذه .. ولكنها لم تدعه يقف طويلا متفكرا فيما تنوي فعله .. بل حركت له كرسيه واتجهت به إلى خارج الغرفة .. وحين خرجت به من الغرفة تعجب الجميع من صنيعها وكيف استطاعت أن تخرجه من عزلته .. قادت أمل عادل إلى حديقة المنزل .. وأحضرت له إفطاره ..ثم أحضرت بهجة كي تقضي مع والدها وقتا ممتعا ..
بالفعل كان وقتا ممتعا ..ابتسامة خفية لم تفارق وجه عادل طوال الجلسة .. وكان كلما نظر إلى أمل وهى تداعب طفلته يسأل نفسه :" يا ترى ما المقابل الذي تريده هذه المرأة من وراء هذا التعامل الرائع معي ومع ابنتي ؟! "
وقدر الله أن تكون الإجابة على سؤاله في هذه الليلة .. عادل اعتاد في فترة انعزاله ومرضه أن ينام باكرا .. وأمل فبعد أن تطمئن عليه وعلى ابنته تأوي إلى فراشها الذي وضعته بجوار السرير الذي ينام عليه عادل .. رددت أذكار النوم بعدما ختمت أعمالها بالوضوء ونوت أن تستيقظ للقيام .. ثم ظلت تستغفر استغفارا كثيرا إلى أن نامت ..
أما عادل فبعد أن انتصف الليل هاجمته الكوابيس فما زال طيف زوجته الراحلة يطارده .. فهى منذ أن ماتت وهى تلاحقه كذكرى في واقعه .. وكابوس في منامه .. اعتاد أن ينام مبكرا لكنه سرعان ما يستيقظ عند منتصف الليل ويبقى مستيقظا إلى الفجر
الليلة كانت الكوابيس تزعجه .. لذا كان يهذي بشدة في منامه .. ثم أخذ يصرخ .. استيقظت أمل على صوته مذعورة .. واتجهت إليه .. فوجدته يصرخ ويهذي ويبكي قائلا: لم اقتلك يا بسمة .. لم اقتلك
أخذت أمل تهز عادل وهى خائفة وتقول
أمل: استيقظ يا سيد عادل ..استيقظ
استيقظ عادل مذعورا وظل يتنفس بقوة والعرق يتصبب على جبينه .. أسرعت أمل وأحضرت له كأس ماء .. فشرب حتى ارتوى .. ثم نظر إليها بنظرة خائفة .. ولكنها طمأنته بإبتسامتها الصادقة وهى تقول له
أمل: هى أضغاث أحلام بإذن الله ..
ثم وضعت يدها على جبينه للمرة الأولى منذ أن أصبحت زوجته .. وظلت تقرأ عليه بعض الآيات والرقى والأذكار ..
هدأت نفسه وأحس بأن شيئا ما يتغلغل إلى أعماقه .. ثقلت عيناه .. وعاد مجددا للنوم .. وأما عن أمل فقد استمرت وقتا طويلا وهى تقرأ وتقرأ إلى أن حاصرها النوم فنامت متعبة بجانبه .. قبيل الفجر .. استيقظ عادل وأحس بيدها على كتفه .. على ما يبدو إنها نامت حين كانت ترقيه .. إلتفت إليها وهى نائمة ومستغرقة في النوم بعد يوم شاق بذلته له ولإبنته .. " هذه النائمة بجانبي .. إنها ليست بشر .. هذه ملاك طاهر .. أرسل إلي كي ينقذني مما أنا فيه .. " نظر إليها بتمعن أكثر .. وأحس بشي يتحرك في أعماقه .. وفجأة أحس بها تستيقظ فأغمض عينه مصطنعا النوم .. أما هى .. فعند استيقاظها وجدت نفسها على السرير .. فوقفت مذعورة وكأنها ارتكبت ذنبا .. فهى ما تزال تتذكر كلمات خليل .. ثم نظرت إلى ساعتها فشهقت قائلة " ياالله .. لم يتبق عن الفجر إلا الشي اليسير " .. ثم أسرعت إلى دورة المياه .. توضأت وصلت ركعتين .. وبعدها رفعت يدها ودعت لأمها بالشفاء .. وعادل يراقبها ويسمعها ثم وفور انتهاؤها من الدعاء لأمها دعت له دعاء طويل .. فاستغرب ذلك .. كانت تتوسل إلى الله أن يشفيه ويهديه .. كانت تبكي حين تلح على الله أن يشفيه وتترجى ربها أن يعجل بشفائه .. و أهم ما قالته وكان كالسهم النافذ إلى قلبه " اللهم إني أحببت عبدك هذا فيك فإن كانت لي عندك دعوة مستجابة فاجعلها في شفائه " انتفض عادل في مكانه .. وعجز عن التفكر فيما قالته .. بكى .. بكاءا شديدا صامتا .. هذه المرأة أحبته لله .. وتعامله تلك المعاملة لله .. ثم تطلب من الله إن كانت لها دعوة مستجابة أن تكون من نصيبه .. فنادى بصوت مخنوقا لا يسمعه غيره " سامحني ياالله "
♻يتبع ....