الحلقة الرابعة عشر
مبادىء حياتية عامة
لكل شيء طاقة على التحمل
كل مخلوقات الله مهما كانت عظيمة وقوية تظل محدودة ، ولها إمكانات محدودة ، مهما كان بصر المرء حاداً
فإنه يرى الأشياء ما دامت في مدى العين ، ومهما كان سمعنا مرهفاً وقوياً ،فإننا لا نسمع الأصوات إلا إذا كان مصدرها في حدود مسافة معينة وهكذا ....
محدودية الطاقات والإمكانات لا تقتصر على الاجسام والمواد والاشياء المحسوسة وإنما تتجاوزها إلى الأمور المعنوية أيضاً
وحتى يتشرب الأطفال هذا المفهوم المهم فإن علينا أن نسوق بعض الأمثلة ،
1- إن للحديد الذي نضعه في أعمدة الأبنية وأسقف المنازل طاقةً محدودةً على التحمل مهما كان ذلك الحديد غليظاً وثقيلاً وصلباً فإذا حملناه فوق طاقته فإنه سينحني في النهاية ونفقد مع انحنائه ميزاته ووظائفه التي استخدمناه من أجلها
2- للضمير والردع الداخلي طاقة محدودة على التحمل
فنحن نمتنع عن كثير من القبائح بسبب ذلك الصوت النوراني الذي يجلل في أعماقنا ناهياً ومحذِّراً من الوقوع في المعصية ومن التفكير في الوقوع فيها وهذا الوازع يختلف من شخص لآخر بحسب معتقدات المرء وبحسب التربية التي تلقاها
لكن الوازع ذو طاقة محدودة على العمل كما أنه لا يشتغل إلا ضمن شروط معينة
على سبيل المثال الكثير من الصغار والكبار يحرصون على الالتزام بالصدق وقول الحق وتجنب الكذب وقول الزور
والحقيقة أن المسلم حين يكذب، يؤنِّبه ضميره، بل إنه يحذره من خطورة الكذب عند مجرد همِّه به
حين يشعر طالب المدرسة -مثلاً- أن قول الصدق سيؤدي إلى طرده من المدرسة أو يشعر الطفل أن الكذب سيجعله يفلت من عقوبة قاسية إن كثيراً من الأطفال يجدون لأنفسهم المسوغ للإقدام عليه
إذن الضمير يضعف أمام ضغوط الخسائر والعقوبات كما أنه يضعف أمام ضغوط المغريات
ما الدرس الذي نلقنه للأطفال بناءاً على هذا المبدأ
الدرس هو :
أن على العاقل أن يحرص على عدم وضع نفسه في مواقف صعبه ومحرجة حتى لا يجد نفسه ضعيفاً، مما يجعله يستهين بالوقوع في الخطأ، وإلى جانب هذا فإن علينا أن نشرح للطفل أن الذي يستجيب للحسِّ الأخلاقي الذي لديه، يكون هو الرابح على المدى البعيد، وإن ظهر أنه خاسر على المدى القصير، وفي كل الأحوال فإن استجابة المرء لضميره والتزامه بأحكامه يعبر عن متانة تدينه وحسن تربيته وعاقبته بإذن الله وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ""البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"
فما حاك في صدورنا وتردد ولم تقبله نفوسنا فهو الإثم
أما الدرس الذي نستفيد منه نحن الكبار من مسألة محدودية طاقة الضمير على الردع، فهو عدم الضغط على الصغار، وعدم تشديد العقوبات عليهم لدرجة تجعل الضمير يتوقف عن عمله
بل علينا الالتزام بالرفق و المسامحة وجعلها الأصل الذي لا نخرج عنه في تربية الأبناء