هذا بحق ما كنت دائما ارجوه وأتمناه ؛ أن يخرج العضو أو العضوة بشيء جديد ومختلف تماما عما هو سائد او متداول او سائرين عليه ، وأن يكسر القاعدة ويأتي بجديد على الساحة ، وقد فعلتها وداد روحي ، فعلت وأقدمت على هذه المغامرة الأدبية وبشكل أنا شخصيا تفاجأت به ، تفاجأت لأني ولهذه اللحظة التي نشرت وداد فيها هذا النص لم أتصور في نفسي أن جديدا أدبيا ممكن أن يحدث في الساحة بحيث يبهرني بجدته وحداثة لونه وثوبه ، هل كانت وداد روحي تخطط وعن عمد لعمل إنقلابي ضد كل ما سائد على الساحة الأدبية ؟ هل كانت في قرارة نفسها عازمة فعلا على الخروج على التقليدي والمتكرر من معروض الردود والتفاعل بين النص والقراء أو بين القراء والنص ؟ كيف تفجرت اللحظة الابداعية لديها لتصير بهذا الشكل الذي أطلت به علينا ؟
ما أعرفه حقا عن وداد روحي أنها كاتبة متمردة والتمرد الأدبي في شخصيتها ليس وليد اليوم أو هذه اللحظة بل هو فيها وفي روحها الأدبية الأصيلة منذ نعومة أظافرها ومنذ حبوها الأول على درب الكتابة ثم عرفته بشكل أكثر وضوحا وقربا حين اكتشفت أو اكتشفنا نحن الاثنان أننا نلتقي على ثنائية جنون أدبي تتطابق فيه أفكارنا ونفسيتنا وعواطفنا بل وحروفنا الامر الذي أثمر لاحقا وجود شراكة أدبية متميزة لنا في بعض الأعمال التي نشرناها معا في نصوص واحدة هنا بالسبلة العمانية وهو أمر أو ظاهرة أثارت ضجة كبيرة بين القراء حول سر الترابط الفكري والادبي بين وداد وعصفور ، كانت وداد وقتها لا شغل يشغل فكرها إلا مسألة تطوير السبلة ومحاولة إيجاد أثواب أدبية جديدة لنصوصها ودائما ما تجلس تناقشني باستفاضة حول فكرة أدبية تود طرحها على الساحة وكنت ومازلت ممن يعشق نقاشاتها الفكرية الهادفة وبلا ملل ، وكل نقاش يتمخض عنه بعد فترة قصيرة نص جديد فيه خاصية أدبية جديدة ، ولا شيء يسعدنا نحن الاثنين من دخولنا في مغامرة أدبية جريئة ومزلزلة ، هوس البحث عن جديد في عالم الكتابة هو الشيء الأهم الذي ارتكزت عليه علاقتنا الأخوية الأدبية القلمية الجميلة بصورة إيجابية ومرضية لنا نحن الاثنان .
حين نشرت قصيدة (
صـيـفـا عـند ظـهـيـرة بـرد ) هنا بالسبلة العمانية وقرأها الأعضاء والقراء الكرام كان النص على موعد أو مفاجأة سارة غير متوقعة أبدا ، بل أستطيع القول وبكل فخر وسعادة أن السبلة كانت دون أن تدري هي أيضا على موعد مع شيء جديد في ساحتها يقلب السائد والموجود بها رأسا على عقب ، في المجال الأدبي وتحديدا ما يخص التفاعل بين النص والأقلام ، وداد روحي هي التي سعت نحو هذا المسعى ولأول مرة بالسبلة العمانية بل وأستطيع القول وعن ثقة وتأكيد أن وداد روحي هي أول من أوجد ما يمكن أن أسميه ( إنعكاسية الشعر على النثر ) أو بمعنى أدق إمكانية تحويل نص شعري إلى نثري ، سبق أدبي للأسف الشديد يحزن قلبي أنه لم ينتبه أدبيا إليه أحد ولم يثبت تاريخيا ولا أدبيا لوداد روحي الكاتبة العمانية إبنة الشرقية التي لها بحق ريادة هذه الفكرة وهي بحق وعن جدارة وللأمانة الأدبية من اخترعها لأول مرة في المنتديات النتية العمانية والتي كانت السبلة العمانية هي أول من إحتضن هذا التطوير الابداعي الادبي فيما يخص بعلاقة النص الشعري بالنثر وإمكانية خلق نص نثري بيد كاتب أو أديب من واقع نص شعري كتبه شاعر آخر . كيف قدرت وداد روحي أن تنقل وبدقة أدبية بالغة أحاسيس ومشاعر وأجواء قصيدة ( صـيـفـا عـند ظـهـيـرة بـرد ) وتحويلها وبدقة إلى نص نثري في شكل خاطرة مكتوبة نثرا أدبيا خالصا وبنفس إسلوب وداد روحي ونفس لغة وداد روحي ونفس عاطفتها ؟؟ كيف نقلت المفردة الشعرية إلى سطورها وحولتها إلى تعابير نثرية مذهلة وبعاطفة قوية أقوى من النص الشعري نفسه ؟؟ والأغرب من هذا وذاك كيف قدرت وداد روحي أن توظف مخيلتها الأدبية لخلق نص نثري من واقع نص شعري ؟؟ هذا في نظري أشبه ما يكون بنظرية تفتيت الذرة ومحاولة إكتشاف عوالم جديدة رحبة وذات طبيعة بكر ، وجميل جدا جدا أن وداد ذيلت خاطرتها بمقدمة تمهيدية شارحة فيها وباقتضاب كما لاحظت قصتها مع هذه الخاطرة التي كتبتها ، ففي هذه المقدمة الاستهلالية نستطيع أن نوثق ما قلناه قبل قليل من أن وداد روحي هي أول كاتبة عمانية قدرت أن توظف الشعر لصالح النثر وكانت تواقة وتتحرق شوقا لتحطيم القوالب التفاعلية الجامدة التي كانت تراها بعين السخط والثورة واللا رضا في كثير من الردود الأمر الذي عزز في عقلها ووجدانها الرغبة القوية والمصممة على تحطيم هذا السائد وإيجاد علاقة جديدة أرحب وأجمل وأكثر تنفسا بين الكاتب وقرائه أو بين النص والأقلام التي تتفاعل معه ، وروح التمرد هذه تسجلها وداد روحي بنفسها في المقدمة التي كتبتها لخاطرتها التي بعنوان ( من أوراقي السرية .. قصة رواها البحر ) والتي أعادت نشرها اليوم بالسبلة العمانية ، تقول وداد روحي في إعتراف أدبي صريح جميل جدا أنها صرحت به هنا في السبلة وتحديدا في هذا النص :
( لقد كان في مقدوري أن أمرعلى قصيدة ( صـيـفـا عـند ظـهـيـرة بـرد ) وأبسط عليها تعقيبا بسيطا من كلمتين أو ثلاث ثم أمضي وقد يخونني التعبير الأدبي في الرد وأكتفي بعدة كلمات أبرز فيها إشادتي أو إعجابي بالنص كما يفعل القراء عادة مع أي نص يصادفهم ويروق بذائقتهم الأدبية شعرا كان النص أم لونا من ألوان النثر . لذلك رأيت نفسي أشذ عمدا وقصدا بقلمي عن هذه القاعدة أو الظاهرة العامة وأخرج جاعلة من قلمي يغرد خارج السرب وذلك عبر رد أدبي مختلف تماما عن السائد والتقليدي جدا من الردود والتعقيبات التي نراها ونقرأها للقراء . فقد وجدت مشاعري وفكري أمام نص شعري جميل جدا وقوي في تعابيره وأخيلته وموسيقاه و يحفز ملكة التخيل على الدخول في عوالم جميلة للمشاعر وبذلك خلقت من إيحاءات هذه القصيدة وأجوائها نصا خواطريا يحاكي وعلى نحو تخيلي مقارب جو القصيدة الذي عاشه الشاعر وكتب فيه قصيدته . لم تواجهني أي صعوبة في دخول هذه المغامرة الأدبية الجديدة كليا على الساحة . ) .
ولا أملك بعد هذا الاعتراف الودادي إلا التصفيق الحار لهذه الكاتبة الأدبية المبدعة التي وضعت أول حجر أساس لمستقبل الخاطرة الأدبية الجديدة الواعدة والقادرة على التفاعل ليس مع الشعر فحسب بل ومع جميع الأجناس الأدبية والفنية الأخرى .. فلوداد روحي هذا الهتاف القوي الذي فيه وبه ينقش إسمها بأحرف ذهبية تخلد ما قامت به هذه المبدعة ذات الفكر الخلاق من أجل الارتقاء بالشأن الأدبي الخاطرة منه بوجه خاص وبالعلاقة الطردية المتناغمة بين الكاتب والنص أو بين الكاتب والفن .. فلهذه الكاتبة الجميلة المبدعة
وداد روحي أهتف وبكل فخر واعتزاز :
سجل يا تاريخ !!
سجل يا تاريخ !!
سجل يا تاريخ !!