الحلقة السابعة عشر ١٧
" أني مغلوب "
كانت هذه الليلة من أصخب الليالي في منزل السيد خليل فالجميع مسرورا وسعيد بالتحسن الكبير الذي شهده عادل .. واتصلوا بخليل الذي ترك كل ما في يديه وجاء سريعا ليرى ابن أخيه .. فكم كانت سعادته لا توصف حين علم بأنه قد تكلم اليوم ومشى .. لحظات مليئة بالصخب والضوضاء .. بعدها اتجه الجميع إلى مضاجعهم ..
في غرفة عادل عم الصمت طويلا بينهما .. أمل شعرت الآن إنها لا تعرف تتعامل مع شخصية عادل الجديدة .. عادل العائد لسابق عهده .. أما هو.. فكان صامتا لأنه لايعرف ماذا يقول .. هذه المرأة شي مختلف تماما عن كل ما عهدهن من نساء .. فهل ستتحمل عبء الوقوف معه وانتشاله من الوحل الذي غرق فيه ..
تشجع عادل وبدد الصمت الذي طال بينهما حين قال
عادل: أنا بحاجة إليك أكثر مما مضى يا أمل ..
نظرت إليه مستوضحه ما يقوله فأردف هو قائلا
عادل: أريد أن اتغير .. أريد أن أكون نقيا مثلك .. أريد أن أصبح إنسان آخر ..
ابتسمت ابتسامة صادقة ثم قالت بثقة
أمل: أنت تقصد إنك تريد أن تتوب ؟!
هز عادل رأسه بنعم قائلا: لقد أجلت ذلك كثيرا .. حان الوقت كي أبدأ أولى خطواته فما ضاع قد ضاع .
أمل: إذا كنت تريد ذلك فأنا بعون الله سأساعدك
ارتسمت ابتسامة يشوبها شي من القلق على وجه عادل حين قال: اتمنى من الله أن لا تتخلي عني .. فقد اعتدت على فقدان من أحب ..
بدأت أمل مع عادل مشوارا جديد .. مشوار القرب من الله والعودة إليه .. كان لدى عادل بعض المعلومات الدينية القليلة التي أخذها من سالم أما غير ذلك فلا يوجد ..
إنه لا يعرف الصلاة فهو لم يصل قط في حياته .. ولا يدرك ما معنى شهر رمضان وقيمته .. ولم يتحرك لسانه يوما بالذكر .. بالمعنى الأصح إنه لا يعرف الله ..
لقد أدرك أخيرا قيمة تلك النصائح القيمة التي كان سالم يرددها عليه .. شعر بقيمة العبادات التي ركنها جانبا ظنا منه بأن فلوسه وممتلكاته ستجعله سعيدا ..
لقد أصبح قلبه خائفا وجلا من الله وعقابه .. فقد اقترف كل الفواحش والذنوب .. لقد زنى وشرب الخمر وعاكس الفتيات وضيع الصلوات و و و ..
كانت مهمة أمل صعبة .. لكن إصرار عادل على التوبة جعلتها ممكنة .. كان عادل يتغير بشكل ملحوظ ويستجيب لأمل مباشرة ..
وكانت أمل تستعين في تغيره بعد الله بصديقتها عبير .. التي لم تألو جهدا في مساعدتها ..
بدأ عادل يتذوق طعم السعادة التي حرم منها سنوات طوال .. السعادة التي فهم أخيرا بأنها لا تمنح إلا لمن ارتضى بالله ربا .. وإن كان فقيرا مثل أمل ..
كل ما كان يجمع أمل بعادل حتى اللحظة هو مساعدته على الثبات على طريق التوبة ..
بعد صلاة الفجر في هذا اليوم .. استلقى عادل على سريره ينظر إلى أمل وهى تقرأ القرآن بكل خشوع .. كان ينظر إليها بإعجاب شديد .. متفكرا كيف سيفصح لها عن ما يكنه لها من حب .. فكلمات الحب التي في جعبته كلها منتهية الصلاحية فقد استخدمت لفتيات عدة قبلها وكلهن لا يستحقن أبدا تلك الكلمات .. أما هذه .. فهى تحتاج إلى مفردات جديدة تقال لها وحدها ... ثقلت عين عادل وهو يتأمل في أمل .. ونام وهو يقول في نفسه إنه الآن أسعد خلق الله .. فقد مضى في طريق ربه طائعا .. ولديه زوجة لا تساويها إمرأة على وجه الأرض .. نام ونسى في نشوة سعادته بتوبته وبوجود أمل بجانبه أمرا هاما ... هذا الأمر عاد مجددا لحياة عادل .. وتحركت النار من تحت الرماد .. النار التي اعتقد عادل بأنه قد أخمدها .. فقد استيقظ فجأة .. فرأى سجادة أمل في موضعها .. ترك سريره .. وفتح باب غرفته بلطف .. فسمع عمه يتحدث مع أمل قائلا بصوت حاد
خليل: لقد طلبت منك مساعدة عادل حتى يعود لما كان عليه .. وأراك تجاوزتي المطلوب منك ..
كانت أمل تستمع إليه وهى منكسة رأسها .. وخليل يتحدث بنبرة جافة حادة
خليل: لم أطلب منك أن تحولي عادل إلى شيخ .. يصلي ويقرأ القرآن وغيره ... طلبي من البداية كان واضحا .. أن تعرفي مقامك ومقامه .. لكني أراك تنصبين نفسك ملكة عليه وتأمرينه أن يقلدك في أمور لا يعرفها ..
كان عادل ينظر إليهما من باب غرفة .. ينظر إلى أمل وهى تقف صاغرة ذليلة أمام جبروت عمه الذي أردف قائلا: أخبرتك حينها بأنك كالدواء .. إذا لم يحتاج إليه المريض .. ألقى به بعيدا .. وعادل اليوم لم يعد بحاجة إليك .. لذا يمكنك العودة لمنزل أهلك وستصلك ورقة طلاقك في أقرب وقت
♻يتبع .....