مختارات من شعره:
«أيام»
لله أيامنا والشملُ مجتمعٌ
وعيشنا من أذى التنغيص قد سلما
أيامَ لا كاشحٌ نخشى ولا عَذَلٌ
يغشى هناك ولم نحفل لمن غشما
أيامَ تُفرشني زنداً وتُلحفني
رِدفاً وتمـطــرني من وصــــلها دِيــَما
وألثمُ الثغرَ منها وهي باسمةٌ
والدهرُ عن ثغر مسرورٍ قد ابتسـما
تهوى هَوايَ وأهوى كل ما هويت
وحاكمُ الحبِّ في أحشـــــائنا حكما
نلهو ونسهو ونغفو لا يؤرِّقُنا
واشٍ ومـهـا رآنـا صـــــــــــــَدَّ أو كــتـما
«ذات الدلال»
لولاكِ مؤذيةَ النفو
س لما غضبتُ ولا صــــبوتُ
فإذا شَدَتْ فوق الغصو
نِ حمــائمٌ غـــُردٌ شـــــــدوتُ
وإذا بكى جونُ الغما
مِ بمعـــهدٍ بالٍ بكيتُ (1)
ولقد أغزِّلُ بالغزا
لةِ وهي تــعلمُ ما عنـــــيتُ
وأخاطبُ الغصنَ الرطيبَ
وما لخطـــرتهِ هــــفـــوتُ
وأتوق للقمرِ المنيرِ
وما به فيكِ ارتضـــيتُ
وأقول يا شمسَ السعودِ
وما لـغـايـتـكِ انتــهــــــيتُ
ما كنتُ أعلم ما الصبا
بةُ والهــــوى حتى بلـيتُ
لا تبخلي ذاتَ الدلال
عليَّ منكِ بما رَجــــــــوتُ
لو أشربُ السُّلوانَ عن
ذكراكِ موذيَ ما ســــلــوت
لولا التعلُّلُ باللقا
والوصلِ منك أسىً قضــيتُ
«راح»
راحٌ إذا هُرقتْ وأشرق نورهُا
ســـجـــدَ السُّقاةُ لها على الأذقان
ولها هديرٌ في الدِّنانِ كأنه
نغمُ القسوسِ قُبالة الصُّلبان(2)
فكأنها وكأنَّ رصعَ حُبابها
ذهــــبٌ يرصَّـــــع فــوقه بجـــــمـانِ
نازعتُها الندمانَ في متنزَّهٍ
حاكتْ مطارفَه يدُ التَّهـتان(3)
فكأنَّ بهجتَه وغَضَّ أراكهِ
وجهُ الحبــيبِ وقامة النُّشوان
والماءُ مندفقٌ تجعِّده الصّبا
وكـأنه جـــــــــــارٍ بغـــــير عـنـانِ
«رِقَّة»
إذا خطرتْ ومرَّ بها نسيمٌ
أمادَ قوامَها ذاك النســــيمُ
مَيودٌ إن أتتك وإن تولَّتْ
تلاطمَ خلفَها كفلٌ فعـيمُ(4)
تقومُ فتمسكُ الخصرَ اضطراراً
فتقعدها العجيزةُ إذ تقــوم
وتبسمُ عن ثنايا واضحاتٍ
تلوحُ كأنها درٌّ نظـــــــــــيم
عَروبٌ رخصةُ الأطرافِ خودٌ
بَرهرهةٌ لها لفظٌ رخيم(5)
«ملك»
أنا الملكُ الذي سادَ البرايا
وبيتُ الفخر والحسبِ اللباب
زنادي في الفضائلِ غيرُ كابٍ
وعزمي في الحوادثِ غير نابِ
ولي أبداً قُدورٌ راسياتٌ
تُناصبُها جفانٌ كالجوابي
تذلُّ لعِزَّيَ الأملاكُ طُراً
وَتحسُد راحتي جُونُ السَّحاب
إذا اكتسبت ملوكُ الأرضِ ذماً
فإن الحمدَ قَسمي واكتسابي
ولي يومان منْ نعمٍ وبؤسٍ
وَلي طعمان من أرْي وصابِ(6)
حياةٌ للجِناةِ عليَّ عفواً
إذا خضعوا، وموتهمُ عقابي
أنيلُ الراغبين بلا سؤالٍ
وأعطي الطالبين بلا حِساب
أتحكيني الملوكُ فلا وربي
وشَتَّان الأسُودُ من الذِّئاب
«زيارة»
فكم ليلةٍ حينَ جنَّ الظلام
ونام الخَليُّ وغابَ الأخبْ
أتتني تَهادى كغُصنٍ يَميسُ
مُضمَّخةً بعبــيرٍ عَجـــــب
بباقيةٍ من عتيقِ السُّلاف
تُزيلُ الهمومَ وتنفي الكُرب
تَنحلَّهَا عالمٌ بالقطاف
وعَصرِ الطَّلى من كرامِ العنب(7)
مُشَعْشعةٍ قهوةٍ مُرَّةٍ
إذا نزلتْ قُلـتَ هــــــذا لَهــب
لها حَببٌ فوقها كالجمان
يمورُ على مثل عصــــرِ الذهـب
«يوم»
رُبَّ يومٍ مُدجنٍ نازعتُها
طيِّبَ الراح بقصرٍ قد ســـَمقْ
كلما عللتُها من صفَوة
أشــرقتْ وجهاً وخَـلقاً وخُـلقْ
وانبرتْ تُسمعني من نغمها
كغــــناءِ الوُرقِ بالـدّوح الوَرق
برخيم الصوتِ لو يسمعه
صائمُ الدهــرِ تَصابى وصـَعـِق
«حصن العُميري»
خليليَّ هل حصن العميري عامرٌ
وهل عقرُ نزوى مخصباتٌ ملاعبُه(8)
وهل سَمرتْ بعد الهدوِّ بربعهِ
معاصرةُ الخُمص الحَشا وكواعبه(9)
وهل شرع بُهلى ذو المعاقل عائدٌ
بأيامنا لذَّاتُه ومطاربُه
وهل ذلك الريمُ الأغنُّ لبعدِنا
عن العهد أم شابته بعدي شوائبه
سقى الله أكنافَ الحوية فالصوى
فحيث اسبكرَّت من حبوبٍ أخاشبه(10)
وباكر بطحاء الفُليج بعارضٍ
همى فابنَّت وارثعنَّت هواضبه(11)
«أوصاف»
رمتني فتاةٌ بألحاظها
كأطراف سمر القنا والسهام
بفرعٍ لها عامرٍ راجحٍ
طويل صـقــيل كجـنح الظلام
ومن تحته مشرقٌ مسفرٌ
جـبــينٌ لها كهـلال التـــــمام
وعين لها مثل عين المها
إذا جـفـلت من رقـــــاد المـنام
وأنف لها شامخٌ باذخٌ
طـويلٌ رهـيف كحدِّ الحســــام
وأضراسها لؤلؤٌ ضوؤه
كــبرقٍ أضــا في لـيالي الظـلام
ونهدٌ لها قاعدٌ جامدٌ
على رأســه مثل حـبِّ الخـــتام
«تفاخر»
أنا الذي استخضع الأملاكَ فانخضعت
واســـتخدم المرهـفَ البـتَّـار والقــلما
أنا أجلُّ ملوك الأرضِ مرتبةً
نــعـــــم وأكـــــــــــثر أملاك الورى هــمما
مناقبي كنجوم الأفق مرتبة
ونائلي لوفــــــودي يفضــــــــــــح الدِيَما
كالليث بأساً إذا الليثُ الهموسُ سطا
والبحر جوداً إذا البحرُ الخضمُّ طما(12)
كفِّي تفيضُ عطاءً لا انقطاع له
على العُفــــاة وصمــصــــامي يفيض دما
مُرُّ العقابِ لمن يبغي معاقبةً
حـــــلوُ الشــــمائل مفضــــالٌ إذا رحـما
أنا ابن نبهان غطريف الملوك فهل
مُفــــــاخرٌ لهــمامٍ للســــــماءِ ســــــــــما
قدتُ الجيوشَ وهجَّنتُ الملوكَ وأعطيتُ
الخــــيـول وســــــدتُ العـــرب والعجــــما
«موعظة»
يا غافلاً عما به يـرادُ
إذا حوى كلَّ الورى المعـادُ
أين ثمودٌ ذهـبت وعاد
إيهٍ وأيـن ربُّـها شــــــــدَّاد
لم يُبق منهم دهرهُم بقيا
يا راقداً عن أهبة المَعادِ
كيف ترى السـير بغير زادِ
ما الرأي في مظلمة العباد
والموقف المحفوف بالأشهاد
وقد عصيتَ الصمدَ القويَّا
يا خاطئاً ما قَدَّمَ المتَابا
هيِّئْ ليوم النفخة الجـوابا
إذا يقول كافرٌ قد خابا
يا لـــيتـني كــنــتُ إذاً تــرابا
وكنت نسياً قبلها منسيا
ماذا تجيبُ عن سؤال الخالقِ
إذا بـدتْ فضــائح الخلائقِ
واحتوت النارُ على المُشاقِق
والكافـر الكائـد والمنـافق
فصرت كالأولى بها صِليَّا
هلاَّ اعتبرت سالفاً بمن مضى
ومن تَقـضـــــــــَّاه الحِمام فانقضــــى
أدلى عليهم دلوَه صرف القضا
فـبدَّلوا ضـــــيق اللحــــــود بالفـضــا
قسراً وضاهى المعدمُ الغنيِّا
لِمَ لا ذكرتَ الموقفَ العظيما
لِمَ لا رهــــبــــــتَ هــــــوله الجســـــيما
وكيف يقوى جسمك الجحيما
وقــــد ألفـــتَ قــبـــلـها النــعــــــــــيما
وكــنــتَ جــــــبــَّاراً بها عـصــــيَّا
لهفي على ما فات من شبابي
في الغـيِّ واللـــذَّة والتصـــابي
ويلاهُ مِمَّا خُطَّ في كتابي
إن لم أتب في ساعة المتابِ
ولم أكن مع خالقي مرضيا