هناك عوامل كثيرة ومتعددة وراء هذا التدهور الادبي الحاصل ومن وجهة نظري سأبرز خمسة عوامل رئيسية من هذه العوامل أرى انها أدت إلى انتكاس النهضة الأدبية العربية المعاصرة وشيوع الرداءة والغث وأدعياء الأدب ومزيفيه ولصوصه وهذه العوامل ساعرضها هنا على عجالة وباقتضاب :
1. غياب النقد الأدبي الرصين والمحايد وعدم وجود نقاد حقيقيين متمرسين في حقل النقد ولهم فيه باع طويلة وخبرة وتجربة عميقة وشيوع الشللية والمحسوبيات الشخصية على حساب العمل الأدبي نفسه رديئا كان أم جميلا ضعيفا أم قويا وخاصة بعد رحيل رواد النقد وعمالقته من أمثال نازك الملائكة وطه حسين والعقاد وشوقي ضيف وميخائيل نعيمة وغيرهم ممن أقاموا فعلا نهضة أدبية عربية كبيرة و ذات شأن وكان للنقد في عهدهم هيية ووقارا ورهبة أيضا بحيث لم يكن يجرأ أي كاتب أو كاتبة على نشر او إصدار عمل أدبي من حي الله أي كلام وكانوا يعملون ألف حساب وحساب للنقاد .
2. تدهور اللغة العربية وعدم الاهتمام بها ذلك الإهتمام الكافي مما أعطى الفرصة لظهور الكتابات الركيكة ودخول من هب ودب في الساحة الأدبية معلنا نفسه الشاعر فلان أو الكاتبة فلانة ومهد هذا أيضا لزحف ما يعرف بالشعر الشعبي او النبطي واكتساحه للساحة وللذوق العام وبدعم سخي واضح وقوي من الجهات الرسمية والشعبية له وخصوصا هنا في الخليج مما أدى عن عمد وقصد إلى تهميش الشعر العربي الأصلي شعر الفصحى وتحجيم ظهوره وتقليص الدعم له وفسح المجال أمام الشعبي بشكل مستفز للوجدان وللذوق النقي .وهو بالضبط ما كان المرحوم العقاد ينبه إليه دائما ويحذر منه في كل كتاباته وتصريحاته وآرائه.
3. ظهور قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة والقنوات الفضائية بكل أطيافها وتوجهاتها والتي قتلت وشوهت في المتلقي بشكل أو بآخر روح التذوق الحقيقي للنصوص مما عزز من شيوع الفوضى وطغيان الرداءة والقبح والسماجة على كل ما هو قوي وجميل وذي قيمة .
4. تهميش دور النقد وعدم وجود مدارس نقدية حقيقية ذات شأن على غرار تلك التي كانت موجودة في مصر والعراق والشام تعنى بالأدب وبالنصوص وايضا لضعف الأنشطة النقدية دور كبير هو الآخر إلى درجة أن النقد وصل الآن إلى مرحلة الغيبوبة .
5. أمية الثقافة بين جيل الشباب الحالي . للأسف الشديد أمة إقرأ لا تقرأ . وهانحن أولاء أمام جيل تافه جاهل رغم الشهادة الجامعية لدى البعض إلا انه لا يعرف حتى ثلث الثلاثة كم . جيل لا يقرأ الكتب ولا يستهويه عطش المعرفة وكل همه محصور في الكرة وريال مدريد وبرشلونة والجنس والجري وراء البرامج التافهة والسخيفة وآخر صيحات الهواتف النقالة وما فيها من مستجد وجديد بل حتى هذه التقنية الميسرة والمفيدة جدا والتي يحملها في جيبه وفيها كل ما يخطر بالبال من معرفة وثقافة وعلوم لم يحاول هذا الجيل أن يستغلها احسن استغلال ولا أن يستفيد منها أقصى استفادة ممكنة لتنمية وتطوير فكره وسلوكه بل جعلها وسيلة لكل ما من شأنه أن يزيد من جهله واميته وضعفه وتغييبه وتضليله وتأخره عقلا ودورا في أمته.
وعموما ظاهرة ضعف وتدهور النقد هذه تكاد تكون قاصرة على وطننا العربي دون غيره من الكيانات العالمية الاخرى كشكل من أشكال ضعفه الذي لم يقتصر فقط على مجالات السياسة والاقتصاد والدين والمجتمع بل شمل كذلك كل نواحيه الفكرية والأدبية والثقافية أيضا .
شكرا ألف شكر لك أخي الغالي الكاتب / صدى صوت على هذا الاختيار الجميل للقراء والذي أثار في نفسي شجونا كثيرة . والمعذرة على الاسهاب بالتعليق .