قــصــيــدة أكثر مــن رائـــعــة .. تمعنوا في كلماتها ومعانيها ....
كل بيت في هذه القصيدة الرائعة يعدل كتّاب، اقرؤوها جيدا . هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر صالح بن عبد القدوس أحد شعراء الدولة العباسية . الرجاء التمعن في كلماتها ومعانيها..
دعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا
فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضا
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكـرَّمٌ
ويُبَشُّ بالتَّرحيـبِ عنـدَ قدومِـهِ
والفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنه
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـْم
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
وارعَ الأمانةَ . والخيانةَ فاجتنبْ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ يُعدي
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي
وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ
وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ
مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
إنّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ
فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
وتـراهُ يُرجى ما لديهِ ويُرهـبُ
ويُقـامُ عنـدَ سلامـهِ ويُقـرَّبُ
حقا يهـونُ بـه الشَّريـفُ الأنسـبُ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ .