وفيالحديث تحذير شديد من القضاء بالهوى وهو ما يريده الإنسان لشهوة أو لغرض في نفسه دونأن يكون مطابقا للعدل والحق وهذا من الأمور التي أصبحت تثير الفتنة لأن أجهزة الإعلامصاحبة المصالح توجه الرأي العام ومنهم بعض القضاة الذين يستمعون أو يقرأون عن قصد أوعن غير قصد أقاويل واجتهادات مختلفة في القضايا المنظورة بين يديهم مما قد يجعل البعضمنهم يتحامل على بعض الأشخاص أو الجماعات بغير حق فيجلس على المنصة وأحاسيسه مضطربةبين ما بين يديه من مستندات وما يسمعه ويدور حوله من مزاعم وأقاويل وهو أمر شديد الخطورةلأنه يتعلق بأرواح أناس الأصل فيها العصمة ولا تزول إلا بأدلة راسخة واضحة لذا كانأهل العلم يحذرون من قضاء القاضي بعلمه أو بميله لأحد الأطراف وطالبوه بضرورة التنحيفورا إذا شعر بذلك, كما قد يتعرض القاضي لضغوط من السلطان أو من بعض أصحاب النفوذ والمالفإن كان ضعيف النفس ومال لما يرغبون أصبح متبعا لهواه...
القاضيالثاني الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه في النار هو الذي قضى بغير علم وليسبالهوى كالأول, وهذا القاضي قد لا يكون عنده ميل لطرف معين أو رغبة في إدانته ولكنهيتكاسل ويهمل في العلم بحقيقة الأمر ولا يبذل المجهود اللازم لكي يصل لذلك فيسارع بإصدارحكم عن غيرعلم فيقع في المحظور خصوصا عندما تكون القضية تتعلق بالحياة والموت فيزدادالتشدد في طلب العلم بتفاصيل الواقعة وإن فشل في ذلك فالحدود تدرأ بالشبهات وليس عليهأن يصدر حكما والأمر ملتبس أمامه أو الأدلة ناقصة أو آتية من جهة غير محايدة أو لهامصلحة في إدانة أحد أطراف القضية كما أن عليه أن يستمع لدفاع المتهمين عن انفسهم ويتركلهم المجال كاملا حت يزول الجهل عنه فقد يتبين له أمرا ما لم يفطن إليه من قبل ...
وعدمالعلم يشمل أيضا عدم العلم بالحكم الذي يترتب على الفعل الذي يظن أن المتهمين ارتكبوهفينبغي عليه أن يقرأ ويتعلم ويتأكد ويستشير إن أعيته الحيلة ويتريث فالأمر لا يتعلقبدنيا زائلة بل بآخرة ودماء وحقوق لا يتركها الله بدون قصاص...وهذان القاضيان آثمانحتى وإن أصابا الحق ما داما لم يقصداه وإنما قصد الأول اتباع الهوى وحكم الثاني عنغير علم..أما القاضي الأخير الذي وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنةهو من قضى بالحق بعد أن علمه من أدلته وتخلى عن اتباع هواه وأنصف المتهم ومنحه حقوقهكاملة دون تفريط أو إفراط أو خوف من صاحب سلطة أو جاه أو نفوذ أو مال وهذا القاضي حتىوإن أخطأ في الحكم فهو استفرغ وسعه وابتعد عن هواه ولم يقصر في معرفة الحكم ولا فيأدلته فإن خفي عليه شيء رغم إرادته فلا تثريب عليه...إن إقامة العدل هي الباب الحقيقيللاستقرار المجتمعي وبدونه تضطرب الأمور وتزول البركة وتفسد حياة الناس مهما كانت قوةبلدانهم فما بالك إذا كانت هذه البلدان تعاني ما تعانيه من تدهور.