الفصل الخامس
اختطاف محمود وجهاد
مات ( جلال الدين) ولم يعلم من أمر طفليه( محمودٍ وجهادَ) شيئا غير أنهما اختطفا وبيعا لأحد تجار الرقيق بالشام، وقصة اختطافهما كانت قصة مثيرة، فقد صمم بعض الحاقدين على السلطان أن ينتقموا منه، لما ارتكبه من فظائع فى أهليهم وأطفالهم، وحاولوا اغيتاله، ولكنهم عجزوا، فرأوا الفرصة سانحة لاختطاف ثمرت قلبه، حيث أبصروا (محمودا) ينطلق لصيد أرنب برى، وكان مُولَعًا بالصيد كخاله السلطان ، وتبعته (جهاد) ولم يتبعهما أحد من الجيش اعتماداً على أن الحارسين (الشيخ سلامة وسيرون) كانا معهما، وهددوا الحارسين بالقتل، وقتل الأميرين إذا صاحا بكلمة.. ثم فروا بهم منذلك المكان خوفاً من أن يلحق بهم جماعة من الجيش إذا استبطئوا عودتهم.
حاول (سيرون) الهرب فطعنه اللصوص طعنه قضت عليه، ثم غيروا اسم الطفلين إلى (قطز وجلنار)، وباعوهما إلى تجار الرقيق بمائة دينار..ولم يقبل التجار شراء (الشيخ سلامة) لكبر سنه فحزن حزناً شديداً لأنه كان يود أن يصحب الطفلين لعلهما يستأنسان به أو يحتاجان لخدمته، ولكنه زودهما بنصائحه التى تفيدهم فىحياتهما الجديدة وكان منها :
* الصبر على قضاء الله حتى يأتى الفرج من عنده.
* الجزع لا يفيد شيئا بل يزيد البلاء والشقاءوالأمراض.
* السمع والطاعة للتاجر الذى اشتراهما حتى يحسن معامتلهما ولا يؤذيهما. ويعرف قدرهما ولا يبيعهما إلا للأمراء والملوك والخلفاء حيث يعيشان فى قصور عظيمة لا تقل عن حياتهم الأولى.
إخفاء أنهما من أبناء السلطان جلال الدين عمن سيبيعهما التاجر له حتى لا يبالغ فى إخفائهما حين يبحث السلطان عنهما فور زوال هذه الغمة.
بثَُّ أمل العودة فى نفوسهما إلى ملكهما الضائع، وهزيمة التتار، وتذكيرهما بقصة سيدنا يوسف عليه السلام.
وَدَّعهما الشيخ سلامة وظل حزيناً بعد فراقهما متحسراً على استغلال سذاجتهما والتغرير بهما، فأصبح لا يذوق طعاماً أو شراباً حتى ساءت حاله ومات، ودفن فى نفس الجبل الذى لقى فيه السلطان حتفه على يد الكردى الموتور.
الفصل السادس
محمود وجهاد فى سوق الرقيق
وصل تاجر الرقيق بالطفلين ( قطز وجلنار)إلى حلب، استعدادا لبيعهما فى سوق الرقيق، وضم إليهما مملوكاً ثالثاً هو (بيبرس) !لكنه كان يعاملهما معاملة حسنة. ويعامل بيبرس بكل قسوة لتمرده على مولاه. مما دفع قطرإلى العطف عليه وتقديم بعض طعامه إليه، وبذلك نشأت صداقة بينهما.
وفى يوم السوق تجمع الناس من كل مكان، وجلس العبيد والجوارى والغلمان من شتى الأجناس والألوان على الحُصْر جماعات متفرقة، عليها رجل يأخذ بيد أحدهم ويوقفه على دكة. ثم يبدأ (الدَّلال) بذكر محاسنه، وُيغرى المشترين بأوصافه لشرائه. وهى طريقة غير إنسانية.
كان قطر وجلنار فى ذهول مما يشاهدانه في سوق الرقيق وكأنهما فى منام لولا أنهما تذكرا قصة اختطافهما فأخذا يمسحان عيونهما منالدمع بطرف ردائهما خشية أن يظهر عليهما الضعف أمام الناس، أو يظهرا أقل تحملا من زميلهما(بيبرس) الضاحك العابث!!!
بدأ الدلال ببيع بيبرس بمائة دينار لتاجرمصرى، ثم بيع (قطز) لتاجر دمشقى بثلاثمائة، فأما (جلنار) فتنافس الحاضرون فى شرائها،وظل الدمشقى يزايد حتى بلغ ثلاثمائة دينار، وقد عزم ألا يزيد وكاد يتركها لمنافسه الذي زاد عليه عشرة دنانير لولا أن رأى نظرة قطز إليه تستعطفه ألا يبخل بالزيادة حتى لايفرق بينه وبين رفيقته فزاد أربعين ديناراً مرة واحدة ليقطع على منافسه الطريق فى المزايدة،وما كان أشد فرحهما حيث لم يفترقا وجمع بينهما القدر..
الفصل السابع
حياة سعيدة .. وفراق حزين
عاش (قطز وجلنار) فى بيت سيدهما الشيخ غانم المقدسىّ حياة سعيدة مطمئنة ، فقد أحبهما وأنزلهما من نفسه منزلة كبيرة وعلمهما اللغة العربية، وكان يرجو أن يعوضه الله بهما ما فقده فى ابنه الفاسد (موسى) الذى حاول إصلاحه بكل ما يملك فلم يوفق.
وردت الأنباء بموت (جنكيز خان) ورجوع التتارإلى بلادهم، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً لأن الله كفاهم شر أولئك الغزاة المتوحشين.
ثم جاءت الأنباء بموت السلطان جلال الدين قتيلا فى جبل الأكراد، فمن الناس من شمت بموته لما ارتكبه فى بلاد الملك الأَشرف من فظائع وحشية، ومنهم مَنْ حزن عليه لما قام به هو وأبوه من جهاد لصد التتار عن بلادالإسلام.
أما (قطز وجلنار) فكان حزنهما شديدا لموت السلطان، فقد أيقنا أنهما سيبقيان إلى الأبد عبيداً، ولم يخفف عنهما إلا ما كانا يجدانهمن مولاهما الشيخ غانم المقدسي من حسن رعاية وإكرام.
وبعد عشر سنوات من إقامتهما فى بيت الشيخ غانم بلغ قطز مبلغ الرجال وبلغت جلنار مبلغ النساء وتوطدت العلاقة بينهما فصارت ألفة ،ثم حبا ، وغراماً والشيخ غانم وزوجته يرعيان هذا الحب الطاهر النبيل، ويعدان الحبيبين بالزواج حينما يبرأ الشيخ غانم من مرضه.
مرض الشيخ غانم طال، فأوصى بجزء من ماله لهما، كما أوصى بعتقهما عند وفاته ولكن موسى الابن العاق لوالده، كان يكدرعلى الحبيبين سعادتهما ، وخاصة بعد أن ازدادت غيرته من قطز عندما انفرد بثقة أبيه وسلمه مقاليد خزائنه وإدارة أمواله أثناء مرضه، فكان يتوعَّده ويتهدده، وقطز لا يأبه له.
ولم تسلم (جلنار) من مضايقاته والتعرض لها ومغازلتها، وقد استغل مرض أبيه، وصار يشرب الخمر فى القصر مع ندمائه، حتى ضجت أمه،ولما أمرته بالخروج رفض أمرها، وهم أن يضربها لولا أن دفعه قطز عنها.
مات الشيخ غانم، وحزن الجميع عليه ما عدا ابنه موسى الذى زاد فجوره، واعتداؤه على قطز بالسب والضرب، وقطز صابر إكراماً لوالده الراحل، وانتظاراً لانتهاء أيام العزاء فيبرحان القصر حيث يتزوجان ويعيشان سعيدين حرين كما أوصى مولاهما الفقيد.
لكن (موسى ) نجح فى إلغاء الوصية، دون علم أحد، ودبر مؤامرة لبيع ( جلنار) لتاجر مصرى رغما عن أمه التى حاولت أن تستردها بدفع أكثر مما دفع المشترى فلم تفلح.
كانت لحظة الفراق بين الحبيبين قاسية عليهما وعلى الأم التى عرضت على قطز أن تعتقه ليكون حرا، ولكنه رفض تركها. وعندما خشى من أن يتحرش به موسى فيرد عليه فتغضب الأم . قالت له لن أغضب لموسى منك. ولو قتلته لأرحتنا منه. فلم يوافق قطز أن يعتدى على ابن مولاه الذى أكرم مثواه.
مضى قطز إلى صديقه (الحاج على ) يشكو إليه حاله وهمومه ويأتى إليه موسى ويحاول ضربه بالسوط. فيمسكه قطز ويقول : "لا يمنعني من البطش بك إلا احتراما لذكرى أبيك" فيلطمه موسى على جبينه، ويسبه ويلعن أباه وجده.
وقطز جامد لا يتحرك ولا ينطق .. ثم ينفجر باكيا بعد أن يذهب موسى والحاج علي يواسيه حتى يكتشف حقيقة أصله، وتتحقق فراسته فى أنه ليس مملوكا، وأنه من أصل كريم،وظهر ذلك عندما كان يحكى له وقائع السلطان جلال الدين ضد التتار فكان وجهه يتغير مما أكد أنه من أولاده.
ثم يطمئنه الحاج على أنه سيخلصه من موسى،ويجعل سيده (ابن الزعيم) يشتريه من الوصى دون علم موسى. وهنا هدأت نفس قطز وتفاءل خيراً.
يتبع ؛؛؛