الشيخ الصباح .. في عمان
تلويح الموج وإحتفاء الرمل والمحار
-------------------------
بقلم : حمود بن سالم السيابي
-------------------------
يحل عاشق "الحداج" والنواخذة ضيفا على بلاد البحر والشراع .
يجيء ومعه العتوب وكاظمة وشطآن فيلكة وبوبيان , وزرقة مغائص اللؤلؤ والمرجان , وخشب أهل الكويت , والسجل المبلل ماء وملحا ومرافيء ومنارات .
وسيقيم ضيف عمان الكبير بقصر العلم العامر ليجاور البحر الأزرق , والأفق الأزرق , وألق الأزمنة الزرقاء .
وحين يقترب الأمير من شرفة القصر سيتسامى الجلالي على يمينه ومعه هزائم الغزاة ، وإن تلفت شمالا فسيرعد ويبرق الميراني ومعه اندحار الطامعين وانكسار الطامحين .
وبين الجلالي والميراني ينشر اليعاربة و آلبوسعيد أشرعة المجد , ويمخرون اللجج من بحر عمان إلى سواحل فارس والهند والسند وبر الزنج , ويجبرون كل موجة على التحدث بالعربية , ويلزمون كل سارية رفع رايات سلاطين وأئمة عمان .
يحل الشيخ صباح الأحمد ضيفا على حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم فتتلاقى البحار, وستحيط بالسيارة التي ستقلهما الخيول فتحمحم الأيام ، وسيسير الموكب الهوينى إلى قصر العلم العامر وحولهم أحفاد سادة البحار يسمعون الغيم "عازيهم" , ويباهون بلمعان السيوف الأنجم والأقمار .
ولقد جاء شيخ آل صباح مرارا إلى عمان ومعه مرارات الأمة وجروحها ، وتنقل كثيرا في جغرافيا المنطقة منذ أن كان وزيرا للخارجية وحتى تقلده الإمارة فالتقى حكيم الأمة وعقلها .
وحمل شيخ آل صباح ملفاته الساخنة إلى بيت البركة والشموخ والحصن والسيوح السلطانية لعل في أفلاج عمان ما يطفيء حرائق العرب ويخمد اشتعالات قضاياهم .
وجاء الشيخ الأمير إلى رمل الشويمية ليلقي صنارته في زرقة البحر , ويلقي معها ضغوط ألف قضية وقضية ، وليملأ رئتيه هواء نظيفا ووصفات ناجعة لأمة موجوعة .
ويجيء التقاء البحار عند بوابة مسقط هذه المرة استثنائيا في توقيته وأهميته وطبيعته ، ومستوى الإحتفاء به رسميا وشعبيا كأول ( state visit ) "زيارة دولة" لتتوج ما سبق من زيارات ولقاءات .
وسيركب الضيف البحر في جولة على شطآن مسقط , ليرى الجلالي والميراني عن كثب , ويقترب من فلسفة عاصمة سلطانية لا تتطاول في العمران لتبقى قلاعها الأعلى , ولا تسكنها عقدة الإرتفعات ليبقى نخلها الأطول , ولا تباهي بالأبراج لتبقى هامات رجالها هي الأبراج .
وحين يسير المركب بشيخ آل صباح ويشق به العباب سيشعر وكأنه لا يتحرك من المرسى , فأينما اتجه البصر ستعانقه الشوامخ السمر ، وأينما تلفت ستهيمن القلاع كتيجان للراسيات .
وسيدرك الشيخ أن هذه الثوابت الجغرافية هي التي تحضر في التعاطي العماني مع كل قضية , وأن هذا الرسوخ هو الذي يجعل عمان ثابتة الموقف في وجه كل الضغوط ، وأنها واضحة الرؤية رغم الضبابية المحيطة ، وأن ما تناقشه عمان خلف الأبواب المغلقة هو ذاته الذي تجاهر به وتعلنه بكل شجاعة .
وسيدهش الأمير الضيف أن زرقة بحر عمان لا تتغير هي الأخرى رغم تقلب الطقس وتغير الأعماق ، وأن نقاء المياه لا يتكدر رغم الأساطيل التي تعبرها , لعلها تستذكر طهر المكان فتمنعها الهيبة من أن تلقي تفثها .
وسيدقق شيخ العتوب في رمزية سور مسقط وخندقها و "دروازاتها" وتحصيناتها , وقد احتفظت بكل ذلك وفاء للأمس , ورسالة طمأنينة لكل يد خيرة تمتد لتصافحها , دون أن تجعل تلك الشواهد عوائق لتوسع العمران , بل محفزات لتتجاور الأزمان .
وحين تعود الطائرة بالأمير إلى قصر بيان سيجد أن "زيارة الدولة" التي اختتمها رسميا أبقت كل المدد مفتوحة وجدانيا , وأنها حفرت الأشواق عميقا للشطآن و "الحداج" والنواخذة .
وأن الشويمية التي تكرست طويلا كشاطيء يمشيه الأمير مع البسطاء ستبقى على خارطته الوجدانية , وسيجدد المواعيد التي يضربها مع موجها ورملها ومحارها .
وسيواصل شيخ آل صباح إلقاء صنارته الصغيرة ومعها هموم أمته الكبيرة .
فأهلا بشيخ عنزة والعتوب ، وبيرق "الكوت" وعمود كاظمة .
-----------
مسقط في التاسع عشر من فبراير 2017 م