تجتاحني رغبة كبيرة للكتابة .. اجد نفسي وقد سبحت في سماوات الفكر والافكار .. اقلب عيناي في شتى الاتجاهات ، ابحث عن شيء ما ، عن فكرة جيدة اكتب عنها .. امسك الورقة والقلم ، ثم اضعهما على المنضدة في تهيئة تامة للانطلاقة .. اعدل من جلستي واتنحنح وكأني سألقي خطابا تاريخيا على محتويات غرفة المكتب التي تملأ المكان بل تزحمه .. وامسك القلم بأصبعي الابهام والسبابه واميل بالورقة على زاوية 45 درجة كعادتي عند الكتابة . .
ماذا اكتب ؟ سؤال اطار من ذهني كل الافكار الكبيرة والعناوين الكثيرة التي جمعتها منذ الصباح الباكر في ذاكرتي .. لاكتبها عندما انتهي من اداء واجباتي الوظيفية والمنزلية والجيرانية و و و ...
اين طار ذلك الزخم المتراكم من الافكار والتي كنت احسبها ستغير التاريخ وستغير وجه العالم و و .. ستغير اشياء كثيرة في نفسية القاريء وفي طريقة تفكيره وفي اسلوب حياته الى الافضل .
قرأت كثيرا .. قرأت في شتى المجالات ، لم اترك كتابا وصلت اليه يدي الا وقرأته ..
مكتبتي لا تزال تزخر بمئات الكتب التي لم اقرأها بعد .. اعلم جيدا - كما غيري - ان هناك حبل سري يتغذى الدماغ من خلاله بالمعلومات وبالثقافة وبكل ما من شأنه تنمية مهارات العقل والفكر بشكل عام .. ويضمر العقل ويتضاءل الفكر بانقطاع هذا الحبل السري واعني هنا بالتوقف عن القراءة .
(اعود لطاولتي .. لا شيء معي ) احاول مرارا وتكرارا ان استعيد تلك الافكار الآبقة والتي تناثرت كالاشلاء من ذاكرتي وقد عجزت ان اسكب اي منها على تلك الورقة القابعة امامي تنتظرني بكثير من الملل والزهق لطول الانتظار .. متى ؟ متى سأسمع صياح ذلك المولود المنتظر والذي تأخر كثيرا عن موعد ولادته ؟
لبست نظارتي الطبية والتي لا استخدمها ابدا الا في الحالات الحرجة علي استطيع استنباط فكرة من كوم الكتب التي أمامي المصفوفة بعناية على طرف من المنضدة .. تناولت احداها وقلبت اوراقه وكأني ابحث عن إبرة في كوم من القش .. بدأت اقلب الاوراق رويدا رويدا واحاول ان اركز على بعض العبارات ومن ثم بدأت اصابعي في التقليب السريع .. لا يوجد .. لا شيء يستفزني هنا .. اعيده واتناول كتابا آخر .. بدأت اقرأ واصابعي تمشي على الكلمات وكأني اقرأ باصابعي وليس بشيء آخر .. نعم هناك رابط سحري بين الاصابع والكتابة ولكن ما علاقة الاصابع بالقراءة ؟ هل تدل العينين على طريق الكلمات المتراصة على صفحات الكتاب بعضها الى جانب بعض وكأنها بنيان مرصوص ؟ ربما .. لا اجد تفسيرا واحدا لاستخدام اصابعي في تلك اللحظة المتعسرة اثناء محاولتي انتزاع فكرة ما من صفحات هذا الكتاب !!
اعدت الكتاب الثاني الى مكانه فوق الكتب الاخرى .. واعدت الورقة البيضاء الى وضعيتها السابقة ووضعت القلم فوق الورقة واعتدلت في جلستي واغمضت عيناي ولا اعلم كم المدة التي مكثتها على وضعيتي تلك ولكن كل ما اتذكره هو ان جرس المنبه رن علي لصلاة الفجر .