أحيانًا تعصر ذهنَك، وتعمَلُ جاهدًا على تذكُّر بعضٍ مِن تفاصيل حادثةٍ بعينها، قد لا يكون مضى على وقوعِها معك زمنٌ
طويل، فتُرهِق عقلَك بلا طائل، ولا تصل لنتيجة مُرضية!وأحيانًا أخرى يطفو للسطحِ - دون مُقدِّمات - مِن أعماق الذاكرة
حدثٌ حصل في الماضي قبل زمن طويل، ربما من أيام الطفولة، وتتذكَّره الآن لأول مرة منذ وقوعه ذاك الزمان، وحتى دون
أدنى محاولةٍ منك للتذكُّر، ربما لتطابُقِه أو تشابُهِه مع حدثٍ آخر تراه أمامك، وعلى الأغلب يكون لتلك الحادثة أهميةٌ خاصة
في ذلك الزمن السابق من حياتك.هذا أمر طبيعي، ويعني ذلك أن هذا الحدثَ قد تم تسجيله في وقتٍ ما من حياتك، ولكن هذا
التسجيل لم يسبق استخدامُه من العقل الواعي، ولو لمرةٍ واحدة من قبل منذ حصوله، تمامًا كما تحفظ مِلفًّا على ذاكرة
الكمبيوتر، ولا تستخدمه لفترة طويلة.يُطلَق على الذاكرة التي احتَفَظت بهذا الحدث طوالَ هذه المدة - بحسب علماء النفس -:
العقلُ الباطن، وهو بمنزلة المساحة الرئيسة من القرص الصلب في الكمبيوتر، ويحتوي على شريطٍ هائلِ الحجمِ لِملفَّاتٍ أخرى
من ذكريات الحياة ويومياتها منذ البداية مُشابِهٍ لشريط كاميرات المراقبة، ولكننا لا نستطيع تذكُّر سوى جزءٍ يسير للغاية
منها.وهذه نعمةٌ عظيمة من الخالق سبحانه، وهي القدرة على النسيان ومسح الكثير من الملفَّات التي لا جدوى لنا مِن وجودها
في الحاضر؛ فبعضُ هذه الذكريات – إن كانت جميلة - نودُّ أن تعودَ لعقلنا الواعي، إلا أن بعضها الآخر مُؤلِم، واستمرار
وجوده، أو إعادة تحميله وتنشيطه إن أمكن - قد يتسبَّب في معاناة دائمة، نحن في غنًى عنها، وقد يفقد الحياة طعمها وسلاستها
المعتادة.أما أغلب هذه الملفات، فهي مجرد تفاصيل روتينية ليوميات الحياة التي لا قيمةَ لها، وليس بإمكان العقل الواعي
استحضارها مهما بذل صاحبه من جهد في محاولة التذكر.