رحيل من المحرق.. ترك خلفه كلمات بسيطة على سطح الجدران .. حملت شيئا من ذاكرته .. لا أعلم ماذا كان يقصد ..ماذا يدور في نفسه .. كتبها بأنامله الحانية .. اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا ...دعه ولا تكثر عليه التأسفا .. وكلمات اخرى تحمل معاني واشياء مجهولة .. قرر ان يرحل عن المحرق ..غياب دون عودة .. لم يبارحها باختياره.. كان قرارا فوق احتمالنا .. ضاق الطريق .. وحل الظلام .. ايام مجحفة .. زمن لا يرحم .. وحيدا لسنوات هناك ... لا يزال صداه يتردد في أروقة المحرق.. ما أفظع رباط الأخوة.. حينما يتحول الى جحيم فراق .. غياب يشبه الجحيم .. الحزن بمثابة غمامة .. لازمت طريقه ليل نهار .. الغربة ماثلة بعنف في تفاصيل صفحات وجهه .. عصف الزمان بزهرة شبابه .. لم يرحم الخريف ما تبقى من اوراقه .. ممزقة في اغصانها .. أكلت الغربة أحشاء سعادته ... أحترق بلهيب صيف البعد .. الم .. دموع .. لوعة .. جفاء .. سنوات عجاف .. غمغمات مشؤومة تحت ستار الغربة .. تدثر بمعطف الألم كعادته كل صباح .. محشورة أنامله في صقيع برد الشتاء .. سمعته كثيرا يردد شوقه وحنينه قبيل الغروب .. لم اصدق الامر .. خيال اشقائه لا يزال ماثل أمام عينيه .. يبكي تارة .. يضحك تارة .. بملء فيه .. تشبه كلماته عشوائيات فقيرة .. يتماهى في اللاوعي .. لاسباب هو نفسه يعرفها .. وكذلك هو .. تشابكت رموز حياته دون تفكيك .. ما اسهل الفراق .. ما أصعب اللقاء .. شعور مرتبك .. دمية في يد طفلة تبكي .. ضاعت اوراق الدهر في اروقة زمن مؤرق.. يرتادها اشباح الليل .. تشابكت الأصابع .. انقبض قلبه .. تغشاه الرحمه .. تسللت الى اعماقه خيالات احلام .. امطرت بردا وسلاما .. تحطمت اوثان ماضيه العتيق .. امطرت بلسما .. ازهرت جدرانه .. طارت اسراب منهكة من طيور الظلام .. شاهدت ابتسامته لاول مرة .. مسح دموعه ... ثم قهقه بدون سبب واضح.. تعانقت ارواح.. اخيرا .. عادت عصافير لاعشاشها .. اقسم انه يحبهم .. وعد قاطع منه .. ابتسم مرة اخرى .... ازهرت الارض القاحلة .. عاد الينا.. ابتسامة ارتسمت على محياه .. كلمات خجوله لم تفارق شفاهه ..تحمل عينيه بارقة امل .. غارق في امواج المحيطات .. رسم وردة اخرى بمقربة سريره .. ومزهرية مكسورة .. كتب قصة اخرى في دفتره الممزق..لم تكف اوراق دفترة .. جف قلمه الوحيد .. لبس قميصه .. خرج من الباب .. لم يعد .. انتظروه الرفاق .. تأكد عدم عودته.. ليس كالعادة .... كان صباح العيد .. سألوا عنه كثيرا .. دون جواب يذكر .. يتردد صوته في الرواق .. مرسومة بصماته ..خطواته في الفناء .. كالشمس..أفل في غروب سرمدي .. بقلمي ناصر الضامري