ضمير للبيع!

عبدالله الشيدي

1-12-2016م

احتشدت الغابةُ يوماً عند سيدها الأسد، فصاح بهم: يا أيُها الحاضرون قد علمتم ما صنعتهُ من الثعلبِ اليد، مكرٌ، وسلبٌ، ونهبٌ، وأشياءٌ أخرى لا تُحصى ولا تُعد، وقد أطلقنا خلفهُ حُرّاسُنا حتى ضاق البقاعُ عليه وأشتد، وأخذناهُ على حينِ غرّةٍ وأوثقنا عليه القيد، وترونه الآن وقد أوشكنا أن نوقعَ عليه الحد، وهكذا يكونُ جزاء من تطاول على أسياده وأنكر عليهم فضلهم وجحد.

تهللت المخلوقات واستبشرت، وصاحت بالتكبير وكأني بها في يوم أُحُد، يا مليكنا قد بارك الله مسعاك وكأنه أمدك من الملائكة عدد، سر أيُها المباركُ سعيه ونحنُ من ورائك سند.

زمجر الأسدُ عالياً فعالياً وبلغ مداهُ الأمد، وانتهت في حينها قصّةُ الثعلبِ وعلِم بأن ساعاته على البسيطةِ أجلٌ مُحدد، فراغ إلى رشده يسألهُ ما لي أرى سهامك اليومَ طائشةً لا تُسدد؟ أتبيعني وقت حاجتي؟ ووقتَ حاجتُك جعلت مني المبجّل المُمجّد؟

فعاد إليه رشده أنّ من أصفدك القيود سيكونُ لك الخلاص الأوحد، فثابر للقائه، وتغنّ بعطائه، وتفنن بنقائه، وصلِّ عليه وبارك فيه وسلم وزد، ثم دغدغ منه النفسَ فحديثُ النفسِ لا يسمعه أحد، لكلٍ منّا ضميره، والسلعةُ عرضٌ وطلبٌ وبعضٌ من ريحةِ حسد، وهنالك يا ثعلبُ شرائك وبيعك، فأطلق يديك وجُد.

نادى الثعلبُ على حرّاسِ قضبانه أنّ في جُعبتي أمانةٌ لمولاي الأسد، فأخبروه أن لقائهُ لي المقصد، سمح الأسدُ للثعلبِ بكلمةٍ أخيرة، ويُسدلُ الستارُ بعدها على قصصه المثيرة، وتُعلّق رقبته عبرةً لمن غاب ومن قد شهد.

الثعلب: يا سيدي أوليس للعبدِ قبل الموتِ توبة وللصواب رد؟ أولسنا نرجعُ إلى الله ملك وعبد؟

الأسد: قد طال كلامك جذباً وشد، ماذا تريد؟ وما هو مرماك والصدد؟

الثعلب: يعلمُ الله أني تبتُ إليه وعزمي في الخير تجدد، ونويتُ من ذنوبي فكاكاً، وأضعُ كلّ ما جنيته في تلكما اليد، في يدي سيدي الأسد.

الأسد (وقد اشرأبت عيناه): أطلقوا هذا المسكين، فقد عاش يتيماً لم يؤدبهُ أحد، وقد أفرغتُ عليه عفوي وعطفي وأصبح منّي بمنزلة الولد!؟!