أثير – موسى الفرعي

أسوأ ما يمكن أن يقوم به الإنسان هو التذبذب في المواقف وتغيير أو تزوير الحقائق لمصالح شخصية أو ضغط كيفما كان شكله، فالمواقف غير قابلة للمساومة، بل قد تكون العداوة الواضحة أكثر شرفًا من الأقنعة المتعددة الأشكال والألوان، فهذا الأمر يسقط من قيمة الفاعل إلا أنه لا ينزل الحقيقة مقدار إصبع عن مكانتها.

لم تمض سوى بضعة أشهر عن حديث محافظ المهرة راجح باكريت” عن علاقة محافظة المهرة بعُمان وأواصر القربى والجيرة بينهما، ومواقف السلطنة المشرفة في اليمن الشقيق بشكل عام والمهرة بشكل خاص، وحديثه عن الأدوار الإنسانية التي لعبتها عمان منذ ثلاثين عامًا كالإسهام في البنى التحتية وإنشاء المدارس وكفالة الأيتام وغيرها، كما أكد في الأمس القريب وبشكل مسترسل وحتمي استحالة وجود أي عملية تهريب عبر الحدود العمانية ومنفذ صرفيت بشكل خاص باعتباره منفذ ركاب ولا يمكن للمركبات الكبيرة العبور عبر تلك السلسلة الجبلية، وهو ذاته الذي كان يرقد في مستشفى السلطان قابوس للعلاج بعد تعرضه لمحاولة اغتيال عام 2014م والأخرى عام 2019م فكانت عمان الملاذ الآمن له.
لم تمض الأيام القليلة حتى ظهر بتصريح يناقض كل ما كان منه، فبعد أن كان يبرئ الساحة العمانية من أي فوضى أو تمويل أو تهريب، عاد ليتهمها بكل ذلك، وما كان في القريب مستحيلًا أصبح ممكنًا، وما كان مرفوضًا أصبح مقبولًا وكأنه واقع حتمي، فكيف يمكن لأي عقل أن يتقبل هذا الكم الهائل من التناقض!
قد تكون هناك ممارسات ضغط لم يستطع تحملها قادته إلى قول ما قال، أو إغراءات ساقته إلى هذا الانتقال الكلي في المواقف، لكنه لم ينتبه هو ومن ورائه أن المتلقي لمثل هذا الأمر يمكنه أن يقيس البارحة باليوم، فإما أن يكون قد كذب البارحة وصدق اليوم، وإما أنه كان صادقًا البارحة وكذب اليوم، ومثل هذا التذبذب لا يؤخذ منه، وإنما القياس يكون بالوقائع والشواهد، فالبارحة نفى وجود أية أدلة لاتهام عمان مستندًا إلى القراءة المنطقية للجغرافيا ومواقف السلطنة مع اليمن وعدم وجود أدلة ثبوت لادعاء البعض، واليوم يجيء محملًا بالقول المتقطع والصوت المتهدج فقط، والبارحة تستضيفه عمان وترعاه واليوم يتهمها دون بينة أو دليل.

فأي سقوط لمواقف الرجال هذا…!!