وقد تجمّعت لديّ ملحوظات نقدية حول العديد من الإصدارات الشعرية والنثرية والقراءات المعمقة لتلك الإصدارات، ما يحفزني لأن أخاطب الشّاعر الذي يفكر بإصدار ديوان ليأخذ في اعتباره المسائل التالية:
* ألّا ينشغل بالتعريف النّظريّ للشعر، فلم ينجح أحدٌ إلى الآن نجاحاً قاطعاً في تعريف الشعر، فالشعر ماهيته وتعريفه إشكالية حقيقية، قبل أن تكون نقدية كانت إشكاليةَ مفهوم وفلسفة وفكر، وكل من عرّف الشعر من النقاد والدارسين عرّفه إما مجازياً وإما شكلياً باهتاً، أما ما هو الشعر؛ فإنه يبقى إحساس الشاعر بحقيقة لا تترجَم إلا بالقصيدة الكاملة المكتملة، فالشعر هو الشعر، ملاك يتلقى الوحي النابع من الذات ليصوغ الجمال روحاً أخرى لا تشبه إلا نفسها. وعليه، فإن الكتابة الشعرية ليست تراكماً كميّاً في عدد دواوين الشعر بما يجعل الإصدار يذوب مع غيره من الإصدارات لأنه لم يشكل علامة فارقة في المدونة الشعرية.
* الشّاعر ملزَم أن يكون ذا سمتٍ وأسلوب خاصين، وجمال مميز، لا يجده القارئ إلا لديه، فهناك قامات شعرية مميزة اكتسبت أهميتها من جودة متحققة في كل العناصر. فعلى الرغم من أن شعراء العربية كثيرون يعسر على الدارس إحصاؤهم، إلا أن الذاكرة والوعي الجمعي الثقافي لم يحفظا سوى العدد القليل من هؤلاء، فهل تريد أن تكون مجرد رقم في سلسلة أرقام شعراء عابرين؛ لتُمنح لقب شاعر؟ ستحوز هذا اللقب بلا شكّ، ولكنك ستكون مجرد شاعر يكتب الشعر ويحسن نظمه ليس أكثر، فهل هذا يرضي طموحك؟
* عليك أن تعلم أن ثمة كساداً وعزوفاً عن الشعر والانبهار به، فالزمن ليس زمن الشعر، فقد زاحمته فنون أخرى كثيرة، وجعلته في تراجع، فقلّ الإقبال على اقتناء كتب الشعر وقراءتها ونقدها، وانحصر في الأمسيات الضّالّة طريقها بجمهور محدود، وهنا يجب عليك أن تربّي الذائقة الفنية الخاصة بك، وقد تنجح نجاحاً غير مجدٍ كثيراً، في التهافت على إصدارك الجديد، مع أنه من اللازم على الشّاعر ألّا ينجرّ إلى ظاهرة «ما يطلبه الجمهور»، ولذلك فتوقع أيّها الشّاعر ألّا يكون قارئُ ديوانك غيرَك، فهل بمقدورك أن تتحمل صدمة كهذه، على ما تجلبه لك من إحباط وانتكاس ومرض في الشّاعرية واعتلالها؟