**انتحَرت فيَّ الكلِماتْ**
صِرتُ قَبرًا للرَّمادِ
والحُروفُ تَنهشُ أوصالي
كَالسُّمِّ في العَرقْ

**وجَعي فيك.. يَلُفُّني نُثَارًا**
حَبةَ تُرابٍ تَطحنُها أَقْدامُ الشَّوقْ
يَرْقصُ فيّ الرَّجُلُ الظَّمْآنُ
ويَشُقُّني.. نِصْفَيْنْ:
نِصْفٌ يُنادي.. ونِصْفٌ يُغَنِّي..
والبَقيَّةُ تَتَسَاقطُ كَزُجَاجِ القَدَرِ المَهشُومْ!

**كِبرٌ مُشَرْخٌ في حَنَاجِرِ الصَّمْتِ**
كَلِماتٌ تَتَزَاحَمُ كَالأَشْبَاحِ
تَبْكيني.. تُرثيني..
تَخْنُقُ الشَّجَنَ..
ثُمَّ تَرْمي الوُرُودَ
فَيَذْرُوها الوَهْنُ..
حَرْفًا مِنَ الابتِذَالِ المُعَتَّقِ
وَدَمًا مِنْ كِبْرِيَاءٍ مَقْصُومْ!

**طَمِسِ الزَّبَدَ.. سَكْرَانَ حَتَّى الثُّمالَةِ!**
خَجِلَ الكَلِمُ مِنْ عُرْيِهِ..
بَتِرَ الزَّمانُ..
انْكَسَرَ الرَّفْعُ فِي أَعْمَاقِ أَبْعَادِي
أَبِعتُ الشَّكْوَى؟
أَمْ صِرْتُ سِجّانَ مَبَادِئِي..
في شِتَاءٍ يَحْمِلُ صَقِيعَ الرَّحِيلْ؟
نَارُ حَرْفي تَلْتَهِمُ أَجْنِحَتِي..
وَهُدِيلُ المَعْنَى يُقَاضيني:
"يَا سَيِّدَ الحُرُوفِ..
احْتَرِسْ مِنْ قِطَارِ المَوْتِ..
اِخْرُجْ مِنْ جُثَّتِكَ القَدِيمَةْ!"

---

**فَاكْتُبْنِي رَبِيعًا**
يُرَاقِصُ الفُصُولَ..
يَنْحُتُنِي رَجُلًا يَصْطَادُ نُورًا
مِنْ شُروقٍ لَمْ يَأْتِ بَعْدْ..
يَرْكَبُ صَهْوَ طُهْرٍ..
يَحْمِلُ عِطْرَ زَهْرَةٍ
حَضَنَتْ فَجْرَ الحَنِينْ!

---

**ضَاعَتِ الكَلِمَاتُ..**
وَنَهَايَاتٌ تَنْسَلُّ كَالرِّمَادِ..
هَلْ يَكْفِي دَمْعٌ لِرَوْضَةِ الخَيْبَاتِ؟
أَتُرْوَى أَرْضُ الضَّيَاعِ بِحِبْرٍ؟
أَيُّ لَوْنٍ يُلَائِمُ اغْتِرَابِي؟
كَيْفَ تَخْضَرُّ أَوْرَاقِي وَأَنْهَارِي يَبِيسَةٌ..؟

**أَيُّهَا الصَّبْرُ.. لَا تَنْضَبْ!**
أَيُّتُهَا الرُّوحُ الغَرِيبَةُ..
ارْفُقِي!
هَذَا الخَرَابُ بَنَى أَقْصَاصَ أَحْلَامِي..
عَنْكَبُوتُ المَنَى نَسَجَ خُيُوطَ السَّآمَةِ..
رِيحٌ تَلْعَبُ بِأَطْيَافِي..
تُوقِدُ جَمْرَةَ الوَجَعِ..
تُلَقِّنُنِي أَغَارِيدَ الغِيَابِ..
وَفَمِي يَقْذِفُ أَنِينَ الشُّجُونْ!

---

**وَجْهِي.. المَزْدَحِمُ بِأَعْطَافِ العُمْرِ**
يَحْمِلُ العَارَ.. كَالكَلِمِ المَقْطُوعِ
وَأَيّامٌ تَعْوِي..
تَسْكُبُ نَبِيذَ أَمْدَائِي فِي كُؤُوسٍ خَوَاءٍ
مُلثَّمَةٍ بِلَعْنَةِ انْتِظَارِ السَّرَابِ..
وَأَنَا أَرْقُدُ عَلَى نَعْشِ الأَلَمْ..

---

**خُيُوطُ التَّعَبِ تَتَشَرْنَقُ فِي مَسَارَاتِي**
تَنْحَنِي.. كَسِهَامِ الظَّمَأِ..
تَنْكَسِرُ عَلَى شَاطِئِ الوَهْنِ..
فَأَنَا.. بَيْنَ جُدْرَانِ الغُرْبَةِ..
أَخْشَى أَنْ أُكَلِّمَ الفَرَاغَ..
كَيْفَ الرَّحِيلُ؟
هَلْ أَرْحَلُ بِالرُّوحِ؟
أَمْ أَبْقَى أَثَرًا..
بَيْنَ تَضَارِيسِ الأَرْضِ..
وَشَظَايَا الكَلِمَاتِ المَنْحُوسَةِ..
الَّتِي انْتَحَرَتْ فِيَّ..
وَلَمْ تَمُتْ؟

---

ألقيتُ حرفي في مهبِّ روحك.. فاقبله مرآةً مشطورةً تعكسُ تشظّيكَ الجميل.
الكتابةُ هنا ليست سوى سفنٍ غارقةٍ.. نغوصُ معها لنصطادَ اللؤلؤَ من قاع الوجع.
فلا تيأسْ.. فكلُّ انتحارِ كلماتٍ..
هو ولادةٌ جديدةٌ لحرفٍ يتنفَّسُ.