تُعدّ خدمات الرعاية الحرجة من أهم عناصر المنظومة الصحية في أي مجتمع، إذ تمثل خط الدفاع الأخير لإنقاذ الحالات التي تحتاج إلى متابعة دقيقة وتدخلات طبية معقدة. وفي محافظة الجيزة، التي تُعد واحدة من أكثر المحافظات كثافةً سكانية وتنوعاً في التركيبة الاجتماعية، تشكل رعاية مركزة بالجيزة محوراً أساسياً لضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، سواء داخل المستشفيات الحكومية أو الجامعية أو الخاصة. ورغم التوسع الملحوظ في السنوات الأخيرة، لا يزال هذا القطاع يواجه مجموعة من التحديات التي تستدعي دراسة متأنية وتطويراً مستمراً.
تُعتبر الرعاية المركزة خدمة موجهة للحالات الحرجة مثل الأمراض التنفسية الشديدة، الجلطات بأنواعها، الحوادث والإصابات الخطرة، ومضاعفات الأمراض المزمنة. في الجيزة، يتوافد عدد كبير من المرضى يومياً على المستشفيات الكبرى مثل مستشفى أم المصريين، ومستشفى بولاق الدكرور العام، ومستشفيات جامعة القاهرة القريبة من نطاق المحافظة. هذا الإقبال المتزايد جعل ضغط العمل على وحدات الرعاية المركزة أكبر مما تتحمله طاقتها في بعض الأحيان، وهو ما يبرز الحاجة إلى توسيع عدد الأسرة وتطوير البنية التحتية بشكل مستمر.
لا يمكن الحديث عن رعاية مركزة بالجيزة دون الإشارة إلى الجهود التي تُبذل لتحسين بيئة العمل داخل هذه الأقسام. فالكوادر الطبية، من أطباء وتمريض وفنيين، تتحمل مسؤوليات جسيمة، وتتطلب مؤهلات عالية ومهارات دقيقة، نظراً لأن التعامل مع الحالات الحرجة لا يحتمل الخطأ. لذلك، تعمل بعض المستشفيات على تنظيم برامج تدريبية ودورات متخصصة تهدف إلى رفع مستوى الخبرة المهنية وتحسين جودة الخدمة. كما يتم إدخال بعض التقنيات الحديثة تدريجياً، مثل أجهزة التنفس عالية الكفاءة، وأنظمة مراقبة العلامات الحيوية المرتبطة بالحاسوب، مما يسهم في تحسين دقة التشخيص وسرعة التدخل.
من ناحية أخرى، هناك جهود مجتمعية تُبذل لدعم قطاع الرعاية المركزة، سواء من خلال مبادرات لتوفير أجهزة طبية أو تحسين البنية الأساسية. وقد لعبت الجمعيات الأهلية دوراً واضحاً في سد بعض الفجوات، خاصة في المستشفيات التي تعاني من ضغط كبير أو موارد محدودة. هذا التكامل بين الحكومي والمجتمعي يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق منظومة صحية أكثر توازناً.
ومع ذلك، لا يزال هناك مجال واسع للتطوير. فالحاجة مستمرة لتوسيع الطاقة الاستيعابية، وإعادة تأهيل بعض الوحدات القديمة، وتعزيز الكوادر البشرية، خاصة في ظل التزايد السكاني الملحوظ داخل المحافظة. كما أن تحسين منظومة الإحالة بين المستشفيات يسهم في تسهيل نقل الحالات الحرجة إلى الأماكن المجهزة بشكل أفضل، مما يرفع من نسب النجاح في علاج هذه الحالات.
ختاماً، تُعد الرعاية المركزة إحدى الركائز الأساسية التي تعكس مدى قوة المنظومة الصحية وقدرتها على حماية حياة المواطنين. وفي محافظة الجيزة تحديداً، تتواجد فرص كبيرة للتطوير والتوسع، بالتوازي مع التحديات التي تتطلب تخطيطاً استراتيجياً وتعاوناً فعالاً بين مختلف الجهات. ورغم الصعوبات، فإن التقدم التدريجي في الخدمات، ووعي المجتمع بأهمية دعم هذا القطاع، يشكّلان خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق مستوى أفضل من الرعاية الصحية لجميع السكان.