حكاية قبل النوم
#حكاية شعبية من أساطير بهلاء:
"العجوز فاطمة والشايب منصور".
ذات صباح؛ نزل خلفان الفلج ليغتسل كعادته، وبينما هو يسبح في ساقية الفلج سمع صوتا موحشا وكأنه صوت امرأة عجوز، فتبع الصوت حتى وصل الى "مجازة النساء"، وجلس في جوف الساقية وسط الظلام، متكورا وخائفا وهو ينظر الى "مجازة الحريم" عبر فتحة الساقية.
فشاهد العجوز "فاطمة" وقد عانقت أفعى ضخمة جدا كأنها جذع نخله، والأفعى تتقلب في ساقية الفلج وتفتح فكها كأنها تمساح، والعجوز فاطمة تغسل لها أسنانها بيديها، ثم بدأت العجوز فاطمة بإرضاع الأفعى، مثلما تفعل الأمهات مع الأطفال.
أصيب خلفان بالرعب الشديد، وكاد أن يتوقف قلبه من هذا المشهد المريب، وبدأ يتراجع رويدا رويدا، حتى عاد مكانه، وارتدى ملابسه وخرج من الفلج مرعوبا خائفا كأن زفير ملك الموت يطارده.
وعندما غربت الشمس في ذات اليوم، كان خلفان يعتصر ألما في سريره، وكأنه يحتضر، وكلما أراد أن يقف على قدميه تذكر العجوز فاطمة والأفعى التي كانت معها، فيسقط مغشيا عليه، وكان يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويخرج الزبد من فمه.
حتى زاره الشايب منصور المعلم، وقال له: "مو فيك خلفان، كأنها العجوز ناويه تشلك". لم يتكلم خلفان وكان يتصبب عرقا في سريره، ويتنفس بقوة، وكان أولاده وزوجته بجانبه يبكون من حالة والدهم، ولا يستطيعون فعل أي شي.
هز منصور المعلم رأسه وقال: "لا تخافوا، باكر من غبشه أيكون زين". وخرج من بيت خلفان متجها الى بيت العجوز فاطمة.
فتحت العجوز فاطمة الباب وقالت: "يالله، الحباب بكبره جاي عندي، ماخبرتني كنت بذبح البعير"، وكعادته الشايب منصور، سكت قليلا ثم قال: "ماحصلتي غير خلفان ترمي عليه بلاك؟!". فقالت فاطمة: "والله ماحد قاله يدخل مجازة الحريم".
حاول الشايب منصور التفاوض مع العجوز فاطمة على أن لا تؤذي خلفان، ولكنها أصرت بأن خلفان لا بد أن يموت لأنه كشف سرها، وأنها أعدت له سحرا يقتله مع طلوع الشمس. ولكنها قالت في نهاية كلامها: "إلا إذا وافقت وخليتني أبرد فوادي فيك، وأنت عارف غلاتك عندي، لا تعاند والعمر يمضي، تعال دخل والحارة تو سكون، ومن تخرج بيكون خلفان بخير".
تبسم العم منصور ابتسامة خبث؛ وهو يعلم ما تقصده العجوز فاطمة، التي تحاول إيقاعه في الحرام منذ سنوات، لكنها لم تستطيع، فقال لها: "خايف عن ما ترومي". ضحكت العجوز وسحبت الشايب منصور من ثوبه داخل بيتها وهي تقول: "تعال وأنشوف من ما أيروم على الثاني".
بدأت العجوز تداعب العم منصور وكأنها فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الخامسة عشر، بينما هو أغمض عينيه وبدأ يقرا في سره بعض الأيات من القرآن الكريم، كانت العجوز تهمس في أذنه بين الحين والأخر وتقول: يالله الغالي من سنين وأنا أموت فيك، يالله لا تغمض عيونك عني".
استمرت العجوز تداعب الشايب منصور، وفجأة سحب خنجره من خاصرته وطعن العجوز في صدرها طعنة قوية وقال: "موتي عدوة الله والرسول". سقطت العجوز على الأرض جثة هامدة، فتنفس الشايب منصور الصعداء، يحسب أن الموضوع انتهى بهذه السهولة، وما أن أراد الخروج من البيت، حتى ظهرت في وجهه أفعى كأنها الفيل في جثتها، ولها رأس يشبه رأس الخنزير، وأنياب كأنياب الأسد، ولها صوت شيطاني وكأنه هدير التنور.
وبدأ الصراع بين هذه الأفعى والشايب منصور بخنجره التي مازالت في يده، وكلما ضرب الافعى تطاير الشرار من جسمها وكأنها خلقت من نار، حاولت الأفعى عصر الشايب منصور وابتلاعه، لكنه كان أقوى منها بإيمانه وزهده، فلم يتوقف عن قراءة القران، وكان يصارعها بكل شجاعة وبسالة.
وفجأة ابتلعت الأفعى العجوز فاطمة لقمة واحدة، واختفت دون أن يستطيع الشايب منصور رؤيتها. خرج الشايب منصور وقد بدأ الفجر يلوح في الأفق، وتوضأ ودخل المسجد ليصلي مع جماعته في مسجد الحارة صلاة الفجر، وبعد الصلاة وقف خلفان وسط المسجد وقال: جماعة اليوم غابت والدتنا العجوز فاطمة، حصلوها أولادها متوفية وهي نائمة الله يرحمها.
تبسم العم منصور وهو ينظر لخلفان الذي اقترب منه وقال له: "عمي منصور طلعت ما هين، الله يعطيك الصحة والعافية".تبسم الشايب منصور وقال: كله بيد رب العالمين، والإنسان مايصيبه غير اللي كاتبنه ربنا.
تمت،،،
منقووووول..
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوارة الكون
!