لذة العطاء لا تضاهيها لذة، عندما تشعر بأنك تبذل الكثير لخدمة الآخرين وإسعادهم. شعور يغمرك فترتقي بإحساسك وتشعر بأنك منتج ومنجز. وهذا الشعور مهم إشباعه وهذه درجة من السعادة يسعى لها أي إنسان متزن. ولكن السؤال كيف هي حياة إنسان يبث السعادة والبهجة في حياة الآخرين وهو غير سعيد؟ كيف يكون حال الإنسان عندما تصبح خدمة الآخرين أولوية بدون إحساس منه؟ أعتقد بأنه سيزداد تعاسة، وقد يصل إلى مرحلة توقف العطاء لأن الأساس قد نضب فهو يعيش للآخرين ويبنى للآخرين وهو خرابة موحشة من الداخل.


إذا أردنا أن نكون مصدرا فياضا للعطاء يجب أن نعيش السعادة أنفسنا، ولا أقصد بالسعادة هنا تحقيق الرغبات فقط. إنما تكوين تصور عن أنفسنا وعن حياتنا ليشكل لنا توازنا أساسه الرضا والحب والقرب من الله، ومنه نستمد الطاقة لمد يد العون للآخرين. فمثلا يجب أن يلتفت الإنسان لمشاكله بحلها وألا يعيش حالة نكران وأن يتصالح مع وجدانه في حالة فقد شخص أو شيء عزيز عليه، لئلا يكون العطاء مهربا من المواجهة. فالإنسان السعيد هو الإنسان الواعي بواقعه يصلح ما يمكن إصلاحه، ويتقبل ويتعايش سلميا مع ما لا يمكن تغييره على أمل أن يتغير أو أن تتغير الظروف متسلحا بالصبر لا الجزع، والرضا لا الاستسلام، وبالتوكل لا التواكل. عليه أن ينظر للمشكلات اليومية كتحديات تصقل مهارة الحياة لديه يواجهها بكل عزم وثقة بالله بأنها ستزول.


ترتيب الأولويات هو سر السعادة، وأول مضمار لخوض تجربة العطاء تكون مع النفس بتزكيتها وتطهيرها والترويح عنها ثم تأتي دائرة الآخرين في حيز اهتمامنا. وهذه ليست أنانية بل واقعية، لماذا نخشى مواجهة أنفسنا؟ لماذا نضيع ذواتنا في ذوات الآخرين؟ أليست فينا نقاط ضعف بحاجة إلى إصلاح؟ إلى متى نتجاهل احتياجاتنا في سبيل بذل وقتنا للآخرين؟


الإنسان السعيد يكون محاطا بجدار غير مرئي من الإيجابية تشع منه لتخترق سلبية الآخرين فيسعدوا بوجوده تلقائيا. لذلك فلنحرص على إضاءة مصابيحنا قبل أن نتهافت على إصلاح وإضاءة مصابيح الآخرين، ففاقد الشيء لا يعطيه. والإنسان السعيد من يوازن بين أولوياته وحاجته للعطاء.