35 سنة على التلوث البيئي بمزارع الرسيس بإزكي.. ولا حلول مركزية !
665302 665479
مركز الأبحاث بالجامعة يتحفظ عن نشر نتائج العينات و «البيئة» لم ترد!! –
المتأثرون : مئات الآلاف من البراميل جرى رميها في حفرة غير محمية لسنوات –
كتب – نوح بن ياسر المعمري –
al111mamari1@hotmail.com –
على الرغم من مرور أكثر من 35 سنة على كارثة «التسربات النفطية التي ظهرت عام 1985 على عدد من الآبار بمزارع الرسيس بولاية إزكي إلا أن مزارع المنطقة ما زالت تئن من الحادثة خاصة في عدم وجود حلول مركزية!.
وتعود أسباب هذه المشكلة إلى إنشاء شركة نفط عمان حفرة غير محمية في وادي حلفين بهدف التخلص من مخلفات النفط الخام الناتجة عن تنظيف خط الإنتاج المار بالولاية إلى ميناء الفحل بمسقط الذي يبعد حوالي 500 متر عن المزارع.
مئات الآلاف من البراميل التي جرى رميها في الحفرة ولعدة أعوام قبل عام 1985 لم يكن في الحسبان أن نتائجها ستكون كبيرة على البيئة فقد أدت الحفرة أو ما تعارف الأهالي على تسميتها (بالمفتاح) إلى تسرب كميات كبيرة من النفط الخام ومخلفاته إلى باطن الأرض ومنه إلى المخزون الجوفي الذي يغذي آبار مياه مزارع الرسيس المجاورة.
وفي عام 1985م لاحظ بعض مزارعي المنطقة وجود الزيوت في مياه الآبار، وتم إبلاغ شركة تنمية نفط عُمان بالمشكلة، فلجأت الشركة إلى إلغاء حفرة المخلفات النفطية من دون معالجة مركزية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه السطور مازالت المزارع تتأثر، وبشكل كبير بوجود هذه المخلفات داخل الآبار. بل تفاقم الأمر حيث أدت الزيوت المختلطة بالمياه إلى قتل عدد من الحيوانات والطيور أثناء الشرب منها، فقد استمر تدفق الزيوت مصاحبا لمياه آبار المزارع، وبكميات متفاوتة، وفي السنوات العشر الأخيرة زادت كمية الزيوت المصاحبة للمياه بشكل مُلاحظ وكثيف. بينما اكتفت الشركة بالتنظيف السطحي لأحواض وقنوات الري. وهو حل لم يكن عمليا لهذه المشكلة؛ لأنه لا يمس المخزون الجوفي الملوث. فبعد انتهاء عمليات التنظيف السطحي للمزارع، يبدأ المزارعون في ضخ مياه الآبار فتعود المياه الملوثة إلى السطح من جديد دون أدنى فائدة من التنظيف.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ «$» وجود عدد آخر من الحفر غير المحمية في المناطق النفطية أو قريبة منها.
غياب الحلول المركزية
ولمراجعة الحلول التي وضعتها وزارة البيئة والشؤون المناخية حول التسرب النفطي، والوضع البيئي للمنطقة، تواصلت ($) مع العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، وتم إخطارنا بوجود رد حول مرئيات البيئة في الموضوع، وبعد مرور أكثر من شهر. جاء رد الوزارة متحفظا على نشر الموضوع!
ومن المفارقات أن جامعة السلطان قابوس ممثلة بفريق مركز الدراسات والبحوث أخذت عينات من تلوث المياه بالمزارع، إلا أن نتائج الفحص لم تنشر! ولم نتمكن من الحصول عليها بعد التواصل مع العلاقات العامة والإعلام بالجامعة. ومع مدير المركز، وذلك للاتفاق بين المركز ووزارة البيئة والشؤون المناخية على عدم نشر النتائج وفقا لما أوضحه مدير المركز ذاته!
زيارة فريق الشورى
ومن جانبه أكد سعادة أحمد بن سعيد الحضرمي رئيس لجنة فريق العمل الميداني لزيارة مزارع إزكي بمجلس الشورى على أهمية معالجة هذا التلوث بشكل جذري. وأوضح لـ($) أن الفريق وضع عددا من المرئيات لمعالجة القضية منها تعويض المواطنين عن مزارعهم؛ لأنها غير صالحة للزراعة حسب ما جاء من تقارير للجهات المعنية، ومعالجة التلوث بشكل جذري وسحب المياه الملوثة.
وأشار إلى أن الزيارة جاءت بطلب من أصحاب السعادة بولاية إزكي لرئاسة المجلس للنظر في القضية، وبدوره كلف المجلس اللجنة الصحية والبيئية بالشورى بمتابعة الموضوع. وأوضح الحضرمي أن اللجنة التقت بالمحافظ واطلعت على الوثائق والمستندات والمخاطبات التي تمت حول هذا الشأن بين الجهات المعنية، كما تم الجلوس مع المزارعين والاستماع لوجهات نظرهم.
وأكد الحضرمي أن الأرض غير صالحة للزراعة، وحسب العينات فإنه يجب أن تتوقف الزراعة في هذه الأراضي.
الأهالي يتحدثون
أهالي المنطقة وهم أصحاب الشأن والمعاناة كان لابد من زيارتهم والوقوف على القضية من وجهة نظرهم، وكذلك التماس حجم الضرر الذي أصابهم. والحلول التي قدمتها الجهات المعنية للقضاء على المشكلة كما حاولت عدسة «$» رصد موقع الحفرة المعروفة (بالمفتاح) إلا أن السنوات طمرتها وتكرر دفوع الوادي غيرها.
ويشير المزارع جمال بن حسن العمري إلى أن الوضع مقلق بعد تفاقم المشكلة خلال السنوات العشرة الماضية، وأنهم عملوا على ردم إحدى هذه الآبار بعد أن أصبحت ملوثة بشكل كبير وحفر بئر جديدة في أقصى المزرعة، وكلفهم ذلك أكثر من 10 آلاف ريال عماني، غير أن المياه الجوفية ذاتها أصبحت ملوثة في تلك المنطقة، وبالتالي لم يجنوا الفائدة الكبيرة من التغيير.
وقال العمري: إن الحيوانات والطيور تأثرت من هذه الكارثة البيئية، موضحا أنهم كانوا يملكون أبقارا في المزرعة، ومن دون انتباه شربت الأبقار من المياه الملوثة ونفقت كما أن موت الطيور متكرر بسبب شربها من هذه المياه المتلوثة، فضلا عن تضرر أجنحتها من الزيوت التي تعلق بها.
عدم صلاحية المياه للاستخدام الزراعي
وأكد المزارع محمد بن أحمد التوبي أن نتائج مختبر الماء والتغذية التابع لوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه أشار إلى عدم صلاحية المياه للاستخدام الزراعي. حيث بلغت نسبة المواد النفطية فيها (1.2 ملي جرام في اللتر) وهي أعلى من النسبة (0.5 ملي جرام في اللتر) التي حددها القرار الوزاري 14593 لمواصفات المياه، بحسب قوله .
كما حدث انخفاض ملحوظ في منسوب مياه الآبار نتيجة سد النفط الخام لعيون ومجاري المياه في هذه الآبار، وتعذر على المزارعين تنظيف أو تعميق الآبار لوجود المواد النفطية، وما تسببه من خطورة على حياة من يقوم بهذه المهمة. فضلا عن عدم جدوى استبدال الآبار الحالية بأخرى نتيجة تلوث المياه الجوفية في المنطقة كلها.
وأشار التوبي إلى أن المزارعين ومنذ ثلاثة عقود يقومون بشراء المياه الضرورية للاستخدام الآدمي والحيواني.
وقف استخدام مياه الآبار
ويقول المزارع عبدالله بن صالح المعولي: إن وزارة البيئة تحدثت عن وقف استخدام مياه الآبار المتضررة والتقصي عن مصادر التسرب وإيقافه وتعويض المتضررين، إلا أن ذلك لم يحدث خلال هذه الفترة.
وأوضح أن الشركة قامت بتعويض المواطنين في الثمانينات عن الأضرار. ولم يصدر أي تحذير أو إعلان أو تعويض للأضرار التي يجنيها المزارعون الآن. كما جرى الحديث عن توفير ناقلات مياه لكل مزرعة إلا أن المياه المقدمة لا تكفي للزراعة.
ويشير المزارع سالم بن محمد المسروري إلى الأضرار التي سببتها المياه الملوثة على الأشجار وهذا ما انعكس سلبا على كل من يتغذى على ثمار هذه الأشجار، موضحا أن الزراعة خلال هذه الأعوام من التلوث اقتصرت على الأعلاف والنخيل. حيث يتجنب المزارعون زراعة الخضروات والفواكه التي تحتوي على نسبة كبيرة من المياه لخوفهم من المخاطر الناتجة عنها.
وأشار إلى أنه على الرغم من تفاقم المشكلة إلا أن الجهات المعنية لم تصدر أي تحذير أو بيان يفيد بوقف استخدام المزارع والآبار. ولم تتم مخاطبة المزارعين بالتعويض أو توفير مياه بديلة صالحة للاستخدام والزراعة.
وأكد المسروري أن جزءا كبيرا من تربة المزارع أصبح غير صالح للزراعة بتاتاً لاحتوائه على مواد نفطية. وأن مركز الدراسات البحثية والبيئية بجامعة السلطان قابوس ينصح بعمل إحلال للتربة على عمق متر واحد في المزارع المتأثرة لتفادي أي أضرار جانبية نتيجة نمو النباتات في هذه التربة الملوثة. تلوث مزارع الرسيس بإزكي قضية ليست يسيرة، وتحتاج إلى تضافر جهود وكثير من الشفافية والوضوح في معالجتها منعا للضرر وحفاظا على البيئة.