ارنولد..في الذاكرة

أين أنت الان يا ارنولد.. اسمعها تناديك بملء فمها.. وانت تتصنع ابتسامتك المريبة أحيانا.. كأنك تعدو بالقرب من نهر الراين ... بينما تجلس هي وحيدة..تمسك فنجان الشاي .. على شرفة صغيرة .. تتامل حقول ذاكرتها .. زاخرة بالشوق .. تلك العجوز.. طالما ملأت براويز جدرانك .. تمسك في يدها زهرتين .. سافر خيالك .. طارت بك الاحلام .. في اجواء باريسية .. ترنو الى قمة برج ايفل .. جاثم كطائر فينيق .. منذ عهود غابرة .. ينفض عنه غبارا ودخان بنادق جيوش الراين .. وفلول شارل ديجول .. وتعود بك الاحلام .. في الصباح .. تذرع شوارع الاليزية .. جنوب قوس النصر .. شمال هرم اللوفر .. تحاصرك الطبيعة .. وسحر فرنسا .. وجمال تلك الغجرية الساحرة..تعشش في ذاكرتك .. وروزنامة السنين .. تتبعك حيثما كنت .. تتلصص من بين جذلات شعرها الاسود ..ورموشها المجنحة .. تامل دعوة منك ..لاحتساء فنجان قهوة .. لتقرا بقايا الفنجان .. وخارطة عمرك .. وماضيك المظلم .. خلف هذه الجدران .. تجلس القرفصاء.. تراقب الساعة .. وقائمة الأسماء.. تمسك قطعة خبز .. وصحن بطاطس .. تتذكر سنوات من عمرك.. قضيتها في بيروت .. ممتلئة حقيبة ذاكرتك بالحب.. تمسك دفتر يومياتك .. تكتب اشياء كثيرة .. ومواقف صديقك احمد ..اعلم انك لا تحب مذاق الشرق ..وشاي الصباح ..وحكايات الجدران .. تتامل روزنامة التاريخ .. اعلم انك تحن اليهما .. بريجيت .. باردو .. لم تعدا طفلتين صغيرتين.. قرأتا رسائلك .. مرسلة مع الريح ..تكتب احلامك واشياء صغيرة .. وقراءاتك الصاخبة.. وتأملاتك في نواميس هذا الكون .. ضحكاتك الذابلة .. تتذكر كتاب البخيل لموليير ..لا يزال يتردد صدا ضحكاتك بمسامع الرفاق .. عامرة بنوبات الالم والدموع .. تكره برد الشتاء .. تحمل معطفك .. وصبرك .. تعلمت هنا كثيرا.. فنون الصبر.. والعزم .. وعدم الياس .. في زقاق باريس كان الأمل .. وكانت المحطة الأخيرة لقطارك.. كما تعلمت.. طارت بذاكرتك.. الحالمة .. خلف سراب طيور مهاجرة .. تنثر بقايا الفقد والغياب .. تسابق الريح والسحاب .. تفتحت ورود قرنفل .. وازهار توت بري .. وصدحت عصافير الريف.. غنت ألحانا حملها موج المانش .. نحو موانيء الحرية .. لا اعلم سابقى في ذاكرتك .. وذاكرة هاتفك الاخير..كلماتك حبلى بأشياء جميلة .... انعم بحريتك .. وانامل تلك العجوز.. تمسد شعرك .. وتتأمل ورود بيروت .. تطير حمامة السلام .. وتزهر ورود الربيع .. وتصدح فيروز .. اناشيد الحب و السلام والحرية .. ناصر الضامري