اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمر ابيض اخضر مشاهدة المشاركة
*"أبغض الحلال" السياسي*

"استمرارنا في هذا المجلس أكثر ايذاءً وإزعاجاً لعمان التي لم تتعود في كل مراحلها التاريخية المتعاقبة أن يكتب تاريخها ويرسم خارطة طريقها ويسطّر سياساتها شعب آخر غير شعبها، وحكومة أخرى غير حكومتها... "

عاصفة جديدة تهب على دول الخليج الذي بات مرتعاً لعواصف الدنيا كلها لا تقل أهميتها عن أي عاصفة أخرى سابقة بما فيها عاصفة الحزم (الأخذة في رسم تاريخ هذه المرحلة من تاريخ المنطقة) وهي تلميح سلطنة عمان بالخروج من تحت قبة مجلس التعاون الخليجي العربي المشترك إثر تصريح أدلت به الحكومة العمانية عبر حساب وزارة خارجيتها على تويتر أكدت فيه "أن الحكومة البريطانية إتخذت قراراً شجاعاً بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وربما يكون ذلك رداً حازماً تجاه بعض سياسات المفوضية الأوروبية" ومما عزز الإعتقاد بعزم السلطنة نفض عباءة المجلس الخليجي والخروج منه هو رد نائب رئيس مجلس الشورى الأسبق الذي تمنى فيه فعلاً أن تبدأ السلطنة في أخذ خطوة مشابهه للخروج من المجلس الخليجي، وبذلك جاء رده منسجماً جداً – وربما مؤكداً - مع ما تضمنته تغريدة وزارة الخارجية.

وبالرغم من أنها وجهة نظر شخصية أدلى بها سعادته إلا أن الترجمة الدولية المناسبة لها هو أن سلطنة عمان تمهد الطريق بهدوء لتعلن عن نيتها الخروج من منظومة المجلس وهذا ما ذكرته قناة CNN العربية عند بثها للخبر.

بالرغم من أنني لا أبارك فكرة خروجنا من مظلة المجلس قبل عشر سنوات من الآن، لأنه حتى تلك اللحظة لم تبدأ حقيقية التصدع في البيت الخليجي في الطفو على السطح إثر الكثير من القضايا السياسية الصامتة بين الدول الأعضاء، ربما أبرزها خلايا التجسس التي زرعتها بعض الدول الأعضاء ضد أشقاءها من الدول الأخرى التي تشترك معها في المصير الواحد والمستقبل الواحد والوحدة الواحدة، ومن السخف جداً أن تتحدث أي دولة خليجية عن أمن شقيقاتها من دول المجلس في الوقت الذي تطالعنا فيه شقيقاتها على شاشات الإعلام القبض على خلايا تجسس بين الحين والأخر، مثل ما حدث في عمان عندما أعلنت عن ضبط خلية تجسس خليجية، وكذلك مثل ما أعلنت الإمارات والبحرين وقطر والسعودية عن خلايا تجسس من جيرانها من دول الخليج، وربما ما خفي كان أعظم من ذلك بكثير على أرض الواقع ونحن لا نعلم.

عليه فلا تعتقد أن دولة مثل السلطنة بثقلها السياسي والتاريخي يمكن أن تمرر ذلك السلوك مرور الكرام مهما طال صبرها، وربما تلك الأحداث بالنسبة لنا كخليجيين هي المسمار الأخير في نعش هذا المجلس الذي فقدنا فيه كل الثقة في أن يكون ظل جدرانه هو المكان الذي نستظل به ونحن آمنون، لأن الثقة والشفافية هي مركز ثقل هذا المجلس إلا أنها مفقودة اليوم، ومن البديهي أن يتهاوى يوماً ما.

إن ما يحدث اليوم من تغيير في بوصلة المجلس يختلف تماماً عما ورد في نظامه الأساسي وميثاق إنشاءه، وربما يأتي ذلك نتاج لأيديولوجيا حديثة يحملها الجيل الجديد من حكام دول الخليج بعد أن أصبح جميع ممثلي الدول الأعضاء – ما عدى سلطنة عمان – هم من الجيل الجديد المغمور بالنظرة المنفردة أكثر من الجيل السابق المغمور بمبدأ الشورى بين دول المجلس، تلك الأيديولوجيا لها أحلام تسبق واقعها، ولها طموحات متعددة ومختلفة مغلفة بحب التسابق السريع في كافة المجالات وعدم الالتفاف إلى ما قد يخلقه ذلك من أثار على بقية أعضاء المجلس، فمن البديهي أن تواجه السلطنة أزمة "لغة حوار" حقيقية بين قراءتها وقراءات الدول الأعضاء الأخرى.

كذلك، فمن المسببات الأخرى للإحباط بالنسبة لنا كشعوب خليجية – أو كعمانيين - هي القرارات السياسية والعسكرية والتنموية الفردية التي يتم اتخاذها والعمل بها خارج قبة المجلس ودون العودة إلى النظام الأساسي الذي تمت صياغته بعناية شديدة ليحقق لنا تنمية خليجية شاملة في جميع القطاعات. وتم إدخالنا نحن الشعوب في صراعات لا طائل لنا فيها، والأغرب من ذلك أننا وصلنا إلى درجة أن صراعاتنا لم تعد نتاج قرارات سياسية، بل نتاج مؤسسات ليس لها علاقة برسم مستقبل منطقة الخليج، تلك المؤسسات أدخلتنا في حروب لا طائل منها مستخدمة في ذلك مصطلحات طائفية لم نعتد عليها نحن في مجتمعنا المحلي، لذلك هي لا تمثل أي جزء من هويتي العمانية أو الإسلامية وليس لي أي انتماء لها، لذلك أرفضها وأرفض الانصياع لها والمشاركة فيها، وموقع السلطنة يتماشى مع وجهت نظر الشعب خصوصاً في هذه النقطة، لأن السلطنة قضت لأكثر من ٤٥ عاماً تفقه شعبها لنبذ الطائفية والمذهبية مما كان له الأثر الأكبر في الاستقرار الداخلي، وهي غير مستعدة لخسارة كل ما بنته في السنوات الطويلة السابقة، إلا أن هذا التوجه لا يروق ربما للدول الأعضاء الأخرى في المجلس.

جانب آخر يزعج السلطنة جداً، بل جداً جداً – ودعنا نقولها كذلك صراحةً – وساهم في اتساع التباعد السياسي بين السلطنة وبعض الدول الأعضاء – وهذا مرده مشكلة الإيديولوجيا مرة أخرى - هي ممارسات تلك الدول والمحسوبة من الدول المؤثرة سياسياً واقتصاديا في منطقة الخليج والشرق الأوسط والتي تمارس في تعاملها مع السلطنة معاملة الحليف تقليدي جداً، عليه الانصياع لتوجهاتها وقراراتها دون نقاش عميق أو تحليل مفصل، ويمكن أن أصف تلك الحالة ب "الإركاع السياسي" المتعمد لضمان تمرير الأجندة السياسية الخليجية "الحديثة إيديولوجياً" على طاولة المجلس بكل نعومة، ذلك الإركاع إن لم يتحقق من تلقاء نفسه سيتحقق بشراء ذمة حكومتنا التي نجحت في اجتياز هذا الاختبار والوقوع في هذا الفخ أكثر من مرة، ربما أشهرها عندما رفضت العشرة مليارات التي أقرها البيت الخليجي كمساعدات للسلطنة، وكذلك رفضها المساعدات العينية و المادية إثر تعرض البلاد للأنواء المناخية في يونيو/حزيران ٢٠٠٧م وأعادتها قبل أن تعبر الحدود البرية للسلطنة. كذلك، يجب ألا ننسى رفضها الواضح والصريح لإقامة الاتحاد الخليجي المزمع توقيعه بين جميع دول المجلس، لأنه سيكون المطرقة والسندان معاً الذي سيطوق البعد السياسي الذي تتمتع به السلطنة الآن والذي أثبت نجاحه حتى الآن وذلك بشهادة القوى العالمية العظمى، إذا هي غير مستعدة لخسارة كل ذلك وتحجيم حراكها السياسي من أجل اتحاد لا سلطة لأحد عليه سوى دول محددة لا تتشابه في توجهات السياسة العمانية.

منذ البداية كان قرار السلطنة الدخول في منظومة مجلس التعاون لقناعتها -آنذاك- أن مشاركتها في هذا التكتل السياسي سيساهم فعلا في إرساء الأمن السياسي والاجتماعي والمالي على شعوب المنطقة، وأنها -أي عمان-في حاجة لهذا التكتل الذي سينعكس إيجاباً في نمو اقتصادها الداخلي، وسيعزز من مكانتها السياسية -المشرّفة أصلاً- في المنطقة مع بقية أعضاء المجلس عوضاً من أن تكون مجرد رقم مفرد في خارطة شبة الجزيرة العربية، خصوصاً إذا ما مضت دول المنطقة في هذا المشروع الخليجي الطموح بدونها.

لكن، ما يحدث الآن محبطٌ ومؤسف جداً بالنسبة لدولة مثل عُمان، التي تتمتع بتاريخ مُسالم ومشرف لأي عربي وليس لنا نحن فقط كعمانيين، ولا ترضى الاعتداء على جيرانها مهما كانت الدوافع ولا تتمنى أن يكتب التاريخ ذلك، وتسعى لنشر السلام والمحبة ليس بين شعوب المنطقة الخليجية فقط بل طموحها تعدى إلى أن تنهض بالمجلس الخليجي ليسهم في بناء السلام والأمن الدوليين على جميع دول العالم، هذا الطموح نتاج بعد النظر وطول البال الذي تُعرفُ به السياسة العمانية خارجياً، وأيضاً لا يمكن للخبراء والمتتبعين أن يختلفوا في ذلك إطلاقاً، فالسياسة العمانية واضحة وشفافة مع جميع الأطراف ولا تقبل أنصاف الإتفاقات أبداً، وهذا ما ساهم في بناء الثقة بين الأعداء والأصدقاء الدوليين، وبين عمان على السواء، ورأى العالم كله الدور العماني في تقريب وجهات النظر بين إيران الشيطان الأكبر – كما يحلو للسطحيين وصفها به – وبين الغرب وإنهاء سيناريو إشعال فتيل حرب عالمية محتملة في المنطقة.

هذه الأحداث المتسارعة تحت القبة الخليجية خلطت مستقبل دول المنطقة وشعوبها، مما دفع السلطنة بالتفكير جدياً في الإعداد للخطة "ب" وذلك لتوجسها بعدم استمرارية المجلس سواء بوجود عمان أو عدمه في ظل الطموحات الهزيلة التي باتت تملاء دهاليز المجلس، فبدأت في توقيع إتفاقيات التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والتعليمي وكل المجالات تقريباً بينها وبين دول العالم المختلفة ربما أبرزها الجمهورية الإسلامية الإيرانية خارج منظومة المجلس، ممهدة بذلك الطريق للخروج بإسلوبها الدبلوماسي المعتاد من تحت مظلة المجلس.

من جديد، إن سلطنة عمان لا تغرد خارج السرب كما يسوق لها بعض الشخصيات الخليجية الضحلة ثقافياً، ولكن حقيقة الأمر فإن السرب هو من يغرد بعيداً وفي كل مكان بسبب بوصلة المجلس التي يتم توجيهها في كل مرة حسب ما يتناسب مع التوجهات السياسية لبعض الدول الأعضاء، وعُمان لن تستطيع مسايرة هذا التغريد طويلاً، وربما بدأت تشعر بالملل فعلا جراء ذلك.
وبالرغم من أن خروج السلطنة من منظومة دول المجلس هو "أبغض الحلال" إلا أنني لا أتمنى حدوث ذلك لنا ولا لأية دولة خليجية أخرى، فهذا المجلس ارتبطنا به نحن كشعوب خليجية ارتباطا عاطفياً كبيراً، ولا زلت أتذكر كما يتذكر الكثير من أبناء الخليج عندما نصطف على رصيف الشارع ونحن صغاراً نلوح بأعلام دولنا التي نحبها لنحيي ملوك الخليج وسلاطينه ومشائخه وهم ينثرون لنا بأيديهم من بقايا حبهم لشعبهم الخليجي الواحد، حتى أصبحت إجتماعات المجلس حدثاً وطنياً وشعبياً في جميع دول المنطقة، نترقبها بإهتمام بالغ ونحن موقنون ببرائتنا الحالمة وبفطرتنا المخضبة بالأمل أن تلك الإجتماعات هي من ستغير العالم كله إلى عالم أكثر جمالاً وسعادة وإنسانية وليس فقط دولنا الخليجية. إلا أنه وبعد المجريات التي نشاهدها الآن، فإنني أدعو نفسي وأبناء بلدي وأبناء جميع دول الخليج المشتركين معاً في المصير الواحد والمستقبل الواحد أن نستمع لصوت الواقع قبل صوت العقل، ونستمع لصوت العقل قبل صوت العواطف، ونفكر بصوت مسموع خارج دائرة الشتم والسباب الضيقة التي لا تليق بشعب تاريخي عظيم كشعب أهل الخليج، فالواقع يقول حقيقةً بأن ما يحدث الآن تحت قبة المجلس بعيد كل البعد عن أحلامنا الجميلة التي حلمناها داخل بيتنا الخليجي الواحد، كما أنها لا تتناسب جملة وتفصيلاً مع المؤامرات العالمية التي تنهش في اقتصادياتنا وأراضينا وحتى شعبنا، بل إن استمر ذلك فإن "أبغض الحلال" سيطول جميع دول المجلس الواحد تلو الآخر.

م. أحمد بن سالم السيابي
@mralsiyabi
مقال جميل يوصف الحقيقة فالمجلس اصبح يديره مراهقون سياسيون يتخبطون في اتون الغطرسة و البترودولار و القرارات العجيبة الغريبة فاين العملة الموحده و اين انظمام المغرب و الاردن و اين الاتحاد الخليجي, قرارات ارتجاليه تاتي بين عشية و ضحاها و السلطنة اعتادت على بعد النظر و التبصر في الامور و استشراق المستقبل.

لم يعد لهذا المجلس حاجة